الولايات المتحدة ليست على مسار حرب مع إيران

بانوراما 2019/07/05
...

مارك جونسون
ترجمة: انيس الصفار   
خلافاً لكل ما نسمعه من جعجعة في واشنطن فإن الولايات المتحدة ليست بصدد دخول حرب وشيكة مع إيران. فهي ليست في طور الانطلاق قريباً، وما لم تقع طهران في خطأ ستراتيجي شنيع الى درجة تستفز المجتمع الدولي بأكمله فإن واشنطن وطهران سيلزم كل زاويته ولن يبرحها في المستقبل المنظور.
لا ريب أن مستشار الأمن القومي "جون بولتن" منتقد عنيد للجمهورية الاسلامية، وهذا ألطف ما يمكن أن نصف به مواقفه، وقد سبق له مراراً أن حمل بخطاب شديد الخشونة، أو يمكن القول حتى شديد العدوانية، عند حديثه عن فرط احساسه بالخطر المتمثل بالنظام الايراني على الولايات المتحدة والمنطقة. وكان بولتن قد تمادى سنة 2015 الى حد كتابة مقالة نصح عبرها بدك ذلك البلد بالقنابل.
لكن هناك عدة اسباب تجعل الصدام المسلح مع إيران أمراً مستبعداً، ولنبدأ بمسألة الحجم. فخوض مجابهة مع إيران على نمط حرب العراق سيكون ببساطة مهمة جسيمة عملاقة تتطلب أشهراً من الاستعدادات اللوجستية.
يفوق التعداد السكاني لإيران جارها العراق بنحو ضعفين، كما أن إيران أوسع مساحة منه بنحو ثلاثة اضعاف، وكذلك العاصمة طهران أكبر رقعة من بغداد، التي تعد بدورها ثاني أكبر مدينة عربية بعد القاهرة. فإن كان العبء الذي واجهناه في العراق ثقيلاً، رغم مشاعر النشوة والنصر المبكرة آنذاك، وهكذا تبدو المهمة غزو إيران معادلة لذلك الثقل مرتين.
 
حصار أميركي مؤثر
 لننس مسألة التحدي العسكري قليلاً وننعم النظر، فالعقوبات التي فرضتها الادارة الاميركية بدأت تحقق الأثر المطلوب كما يبدو من معظم الجوانب والاعتبارات بعد اربعين عاماً من عمر الحكومة الايرانية. ومع اشتداد قبضة العقوبات اخذ المسؤولون الإيرانيون يختلفون في ما بينهم بشأن تنفيذ الصفقة الإيرانية والضرر الذي لحق باقتصاد البلد جراء العقوبات الاميركية. من المبكر القول الان بأن النظام يتفكك، ولكن شيئاً من التثلم أخذ يظهر عند الاطراف بالتأكيد.
نالت العقوبات بشكل خاص من فيلق الحرس الثوري الذي يتمتع بسلطات واسعة على مرافق أساسية من الاقتصاد الايراني. كذلك فإن نفوذ فيلق الحرس سياسياً واسع ايضاً، لأن القدماء من عناصره يحتلون مناصب مؤثرة في شتى مفاصل الحكومة الايرانية. لكن العقوبات التي تصيب الحرس ستكون لها آثار كبيرة في البلد بسبب السلطات الواسعة التي يتمتعون بها.
ارسل المرشد الاعلى "علي خامنئي" ، وآخرون ايضاً من طهران، إشارات نمت عن وجود نية للصبر والانتظار حتى تنقضي فترة ادارة ترامب، معلقين جل آمالهم على مجيء رئيس آخر اكثر مرونة بدلا منه بعد كانون الاول 2020، وهذه مقامرة كبيرة لأن الاقتصاد الايراني مستمر بالانزلاق نحو الهاوية. فهل سيتمكن الايرانيون من الصمود مدة 16 شهراً اخرى؟ هل أعدوا خطة بديلة للسنوات الاربع التالية إذا ما فاز ترامب بولاية ثانية؟
منتقدو سياسة الادارة الاميركية تجاه إيران، ومعظمهم من خريجي "غرفة الصدى" لعهد الرئيس السابق باراك أوباما، دأبوا على ترديد الإدعاء بأن سياسة البيت الابيض الحالية تجعل الحرب مع إيران حتماً محتوماً. فلنتذكر اذن خطاباً مشابهاً كان يسوق جدلية خلاصتها: (إما هذه، وإلا.. فالحرب) خلال أيام التفاوض على ما سمي "خطة العمل الشاملة المشتركة" اثناء المراحل الاخيرة من المناقشات بشأن ايران وبرنامجها النووي. يومها ايضاً كان يقال: "ما لم نتمكن من انجاح هذه الصفقة (رغم نواقصها التي لا تنكر) فإن البديل هو الحرب."
يقول أحد الاصدقاء: "هناك صنفان من الناس، الاول هم من يختلقون ثنائيات متضادة، زائفة وسخيفة، لأغراض خطابية تخدم مآربهم، والثاني هم من لا يفعلون ذلك". عضو فريق التفاوض "ويندي شيرمان" التي انضمت لمحادثات "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ومثلها "بين رودس" مهندس غرفة الصدى، ينتميان للمعسكر الاول، وقد كانا على خطأ سنة 2015، وهما اليوم ايضاً على خطأ. بل انهما حتى لم يقدما لنا سبباً مفترضاً يبرر قيام الحرب التي يخوفاننا منها (لا شك أن ترامب يفتقر للتوازن السليم ولكن هذا السبب لا يكفي).
 
الخطر النووي المقبل
هناك دائماً بدائل عن الحرب. فكانت التقارير تتحدث سابقاً بأن وزير الخارجية "مايك بومبيو" قد عرض ثماني مرات إعادة فتح المفاوضات مع حكومة روحاني، وكان الجانب الايراني يرفض ذلك مع كل عرض. ولكن كلا الجانبين يواصلان محادثاتهما عبر وسطاء.
لكن ماذا لو أن إيران اعادت العمل بمفاعلها النووي؟ لا شك أن السياسة الخارجية الاميركية تغص بالمعايير المزدوجة والتناقضات الداخلية، ولكن حتى لو اعادت ايران العمل ببرنامجها الآن فإنها تعاني من عراقيل مالية كبيرة كما أنها لا تزال بعيدة عن تطوير سلاح قابل للاستخدام. 
ويمكن ملاحظة أن الزعيم الكوري الشمالي "كيم يونغ أون" لم يطور سلاحاً نووياً فقط، وإنما اختبر ذلك السلاح خلال فترة ادارة ترامب، ورغم هذا ليست الولايات المتحدة بحالة حرب مع كوريا الشمالية، بل ان ترامب يتحدث بشاعرية عن "علاقة الحب" بينه وبين رئيس بيونغ يانغ القصير البدين.
ماذا عن العمل التخريبي ضد ناقلات نفط الخليج أمام ساحل دبي مؤخرا؟ فجميع الدلائل تشير الى إيران، ودول الخليج العربية لا تخفي عداءها للفرس، رغم هذا قالوا بصراحة أنهم لا يريدون الحرب.
تشير التقارير ان بولتن نفسه ربما أخذ يتقدم اسرع من اللازم، لا مع ترامب فقط بل مع بومبيو و"برايان هوك"؛ مسؤول ملف ايران لدى وزارة خارجية 
ترامب. 
وإذا صح ما قيل عن اعتزام وزارة الخارجية استخدام العقوبات لإرغام الإيرانيين للجلوس الى مائدة المفاوضات فمن المحتمل أن يكون بومبيو بصدد كسب القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي الى جانبه ايضاً.
أخيراً لدينا ترامب نفسه. فشعاره للسياسة الخارجية القائل "أميركا أولاً"، سواء احببناه أم كرهناه، معتمد جزئياً على النأي بالولايات المتحدة عن الصراعات الخارجية، لا الزج بها للمزيد. قاعدته الشعبية طربت لهذه السياسة، وهو ماض بها الى حد كبير مهما بدت متخبطة بعيدة عن الحكمة.
حتى أشد الممانعين لنهج ترامب يتفقون عموماً على أن آخر ما تتمناه أميركا هو التورط بصراع جديد طويل الأمد لا داعي له، ولهذا فإن ارسال العسكريين الاميركيين لحرب مع إيران بينما يحاول ترامب تعزيز فرص اعادة انتخابه لن يكون مشهداً مبشراً بخير، وهو يميز المشهد جيداً حين لا يبشر 
بخير.
مجريات الاحداث تأتي ملائمة لخطاب الحكم الإيراني الذي يصدح متشكياً مما يفعله الشيطان الاكبر؛ داعية الحرب والقائد العام لتغريدات تويتر في أميركا. لكن الحقائق على الأرض، سواء من واشنطن أو طهران، لا تنسجم مع ما يتظاهر به الطرفان من قلق وترقب.