المكتبات الرقميَّة.. هل تسرق متعة القراءة التقليديَّة؟

ريبورتاج 2025/02/10
...

 بغداد: نوارة محمد

 تصوير: نهاد العزاوي


في مواجهة التحول التكنولوجي أخذت الحياة الرقمية تفرض مفاهيم جديدة تركت أثراً هائلاً في الواقع. وفي ظل هذا التغير أخذت المكتبات العامة والخاصة تواجه واقعاً جديداً هي الأخرى، بعضها اختفت وأخرى في طريقها إلى الزوال، ومعظمها راحت تتحول إلى مكتبات رقمية تتخذ شكلا جديداً في توفير الكتب والمصادر من خلال وسائل التواصل المتعددة، وبات من الممكن أن يقتني القارئ كتاباً وهو مستلق على سريره.

في ظل التطور التكنولوجي السريع في عصر الإنترنت والهواتف المحمولة، أصبح من السهل الحصول على المعلومات والكتب والبحوث والدراسات بشكل رقمي وسريع، ما أسهم في تقليص تداول الكتب الورقية تدريجياً. وفي هذا السياق، يرى الدكتور معتز عناد غزوان، أن هذا التحول يعد أمراً ضرورياً لمواكبة الحداثة، حيث فرضت المعاصرة نفسها باستخدام التقنيات الحديثة التي تتيح الاتصال السريع بين الأفراد وتبادل المعرفة بسهولة ويسر.

لكن في الوقت نفسه، يشير غزوان في حديثه لـ"الصباح" إلى أن الأجيال السابقة ما زالت ترى أهمية في الكتاب الورقي والصحيفة المطبوعة، في حين أن الصحف الإلكترونية والكتب الرقمية أصبحت أكثر انتشاراً بسبب سهولة الوصول إليها وتكلفتها المنخفضة مقارنة بالوسائل التقليدية. رغم هذا التحول، فإن القراءة الإلكترونية تواجه تحدياً في التأثير على الجيل القديم الذي يفضل الكتاب المطبوع".

من جانبها، قالت الناقدة والباحثة الدكتورة موج يوسف لـ"الصباح": "يمكنني استعارة مقولة الناشر ومدير دار الرافدين الأستاذ محمد هادي عند حديثه عن القارئ المصري قوله: أنا أحرص على حضور معرض القاهرة؛ لأنه يعيد لي الأمل بأن مهنة الكتاب الورقي ما زالت بخير".

وتضيف "اكتشفت أن الكتاب الورقي بالعراق وصل إلى مرحلة الموت السريري ويحتاج إلى مغذيات وانعاش، ففعل القراءة أصبح ضعيفاً وصرنا نغذي بطوننا أكثر من عقولنا"، مضيفة: "مشكلتنا بحسب ما أرى هي أزمة قراءة، وهنا نحتاج إلى مشاريع حقيقية وجادة لنعيد الكتاب إلى أحضان وعقول الشباب، وهذه الخطوة تتطلب جهد مؤسسات كالجامعات والمقاهي أيضاً يمكنها المساهمة في ذلك عبر وضع بعض الرفوف المكتبية".

وتابعت "يجب أيضاً تفعيل دور المكتبات العامة التي تقلصت وانتهى دورها كمكتبة الكاظمية والأعظمية، إذ غزتها شباك العنكبوت وكلما عملنا على جعل القراءة منهجاً حياتياً كلما ضمنا أن وطننا سيكون محصناً من الفتن وبعيداً عن غزو الجماعات المتطرفة. فليس المهم أن تكون القراءة الكترونية أو ورقية إنما المهم حضورها بين الشباب، لأن الأجيال صارت تراها ترفاً لا أكثر".

أما حسين عارف، طالب في كلية الآداب، فيعتقد عكس ذلك، إذ يقول: "علينا أن نواجه هذا التطور الهائل والحداثة، فكلما ارتفع ايقاع الحياة صار علينا أن نغير سلوكياتنا بالمقابل، إذ ليس من المعقول أن أبحث عن كتاب في المكتبات القديمة وهو موجود بالنسخ الحديثة والأصلية والمترجمة على المواقع الرقمية والمحطات الالكترونية.. أنا أفضل أن أمارس عملية القراءة بمثل التطور الذي تواجهه الحياة بكل أشكالها".

أخذت المكتبات تتخذ طابعاً جديداً ومفهوماً آخر، بعدما خرجت عن سياقاتها التقليدية، البعض عدها تجارة بحتة وليس أكثر من ذلك بحسب مدير دار قناديل للنشر والتوزيع حسين الكعبي، الذي أكد: "أعدها ظاهرة تجارية بحتة، وسباقاً بين بعض أصحاب المكتبات وصفحات التوصيل لأجل البيع فقط، وهذه الكتب في الأعم الأغلب مزورة، أي مستنسخة دون إذن الناشر الأصلي، أو تكون كتباً لا تحوي قيمة علمية أو ثقافية، وتأثيرها سلبي على الكتاب، وهنا يظهر دور المكتبات التقليدية المركزية واللامركزية، بمختلف أصنافها.

وأضاف: "لم يتغير شكل المكتبات الحديثة فحسب بل اختلفت تصاميمها الخارجية اختلافاً كبيراً عما كانت عليه في السابق، وابتعدت كثيراً عن مفهوم المكتبات الكلاسيكية التي هدفها بالأساس إعارة الكتب أو مكان للاستراحة والقراءة وتبادل المعلومات، يديرها أشخاص غالباً ما يكونون مُحبين للكتب وعارفين بقيمتها الثقافية، يمارسون مهنتهم بكل جدية. اليوم المكتبات بدت حالة ظاهرية لجذب الزبائن الذين يعدونها ليست سوى ديكور لالتقاط الصور التذكارية."

في ظل التحولات التكنولوجية التي شهدها عصرنا الحديث، تظل بعض المكتبات محافظة على الطابع الكلاسيكي في دورها وتصاميمها، ما يشكل خطوة فعّالة لتعزيز الثقافة الحقيقية. 

ومن أبرز هذه الخطوات، ما تم مؤخرًا في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، الذي أنشأ مكتبة الفريد سمعان التي تتبع المفاهيم المنهجية الرصينة في التصميم والمحتوى، ما يجعلها مقصدًا للقراء الذين يبحثون عن الثقافة الأصيلة. كما يرى الكاتب والمترجم فاضل ثامر أن المكتبات التي تحافظ على الطابع التقليدي تشكل إضافة قيمة للواقع الثقافي والاجتماعي، موضحًا أن البعض ما زال متمسكًا بالطرق التقليدية للقراءة.

وفي السياق نفسه، يشير الدكتور أحمد حميد إلى أن الكتاب الورقي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة رغم انتشار الكتاب الإلكتروني. ويعود ذلك إلى خصوصية الكتاب الورقي في تجربة القراءة، حيث يمكن للقراء الاستمتاع بالكتاب في أوضاع مريحة دون التأثيرات السلبية التي قد تترتب على قراءة الكتب الإلكترونية، مثل الإجهاد البصري الناتج عن التركيز على شاشات الأجهزة.