المرأة تزيح الحواجز وتتنافس مع الرجال في السلك الأمني

ريبورتاج 2025/02/11
...

  بغداد : سجى عماد


في عالم كانت فيه أبواب السلك الأمني مغلقة أمام المرأة، جاءت الأيام لتفتح تلك الأبواب وتكشف عن طاقات غير محدودة. اليوم، تقف المرأة بقوة في صفوف الأمن، متحديةً كل القيود التقليدية، ومحطمة الحواجز التي فرضتها الأعراف والمفاهيم القديمة. لم تعد مجرد حضور عابر، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من معادلة القوة والأمن، بل وتستعد لتولي المناصب القيادية في هذا المجال.

تحدثت المقدم بسمة الزيدي، إحدى ضابطات الشرطة، عن تجربتها في العمل بالسلك الأمني، مشيرة لـ"الصباح" إلى أنها اختارت هذا المجال بسبب شعورها بالمسؤولية تجاه مجتمعها ورغبتها في تحقيق العدالة وحماية الآخرين. وقالت: "لطالما كنت شغوفة بفكرة مساعدة الناس، ورأيت في العمل الأمني فرصة لتحقيق ذلك بشكل مباشر. تجربتي الأولى كانت مليئة بالتحديات، وكان عليّ إثبات نفسي في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري، لكنني كنت مستعدة لذلك وحرصت على التعلم والتكيف سريعًا."

وأوضحت المقدم بسمة أن أبرز التحديات التي واجهتها كانت تتمثل في إثبات كفاءتها المهنية في بيئة يُنظر إليها أحيانًا على أنها تتطلب قوة بدنية ونفسية عالية. وقالت: "في بعض الأحيان، كنت أواجه تشكيكًا في قدرتي على التعامل مع المواقف الصعبة. لكنني تغلبت على ذلك من خلال العمل الجاد، والتدريب المستمر، والحرص على تطوير مهاراتي في التعامل مع الأزمات. كما أن دعم بعض الزملاء والزميلات ساعدني في تجاوز العقبات."

وأضافت أن المرأة في السلك الأمني تمتلك مهارات فريدة، مثل القدرة على التواصل الفعال، والتعامل مع القضايا الحساسة مثل العنف الأسري والجرائم ضد المرأة والأطفال. وأكدت: "وجود المرأة في السلك الأمني يعزز ثقة المجتمع، خاصة بين الفئات التي قد تتردد في اللجوء للشرطة. كما أن تنوع الملاكات الأمنية يجعل العمل أكثر شمولية وفعالية في التعامل مع مختلف القضايا."

في إطار دور وزارة الداخلية بتعزيز مشاركة المرأة في القطاع الأمني، أكد المتحدث باسم الوزارة، العميد مقداد ميري أن "برنامج تمكين المرأة في السلك الأمني" يهدف إلى توفير مساحة أوسع للنساء لتولي المناصب القيادية داخل الوزارة، بعد النجاحات التي حققنها في المراحل السابقة. وأوضح ميري في حديثه لـ"الصباح" أن هذا البرنامج يأتي من أجل تعزيز دور المرأة في المؤسسات الأمنية، بعد أن نجحت في شغل العديد من المناصب الحيوية، وستواصل السير قدماً نحو مزيد من التقدم.

وفي ما يتعلق بضوابط قبول النساء ضمن هذا البرنامج، أوضح أنها تشمل شروطًا متعددة مثل التدريب المناسب والعمر والتحصيل العلمي، وبعض الأمور الأخرى التي تضمن أهلية المتقدمات لهذه المناصب. وأضاف: "نسعى إلى زيادة نسبة النساء في الوزارة، بما يسهم في تعزيز دورهن في العمل الأمني."

وأشار ميري إلى أن التعليمات الخاصة بهذا البرنامج ستصدر من الجهات العليا، وستقوم مديرية التدريب في وزارة الداخلية بإعداد برامج تدريبية متخصصة تتماشى مع هذا التوجه. كما أعلن عن خطط لتوسيع فرص التدريب والابتكار في تخصصات جديدة للنساء داخل المؤسسات الأمنية، بما يتناسب مع الاحتياجات الملحة لهذه المرحلة.

بدوره، أكد مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، أن الوزارة تُعدّ من المؤسسات الرائدة في تمكين المرأة داخل القطاع الأمني، حيث بلغ عدد النساء العاملات فيها أكثر من 12 ألفاً بين ضابطة ومنتسبة وموظفة مدنية، موزعات بين مختلف التشكيلات والمفاصل. وأوضح المحنا لـ"الصباح" أن هذا التواجد الكبير يعكس الدعم المستمر من قبل قيادة الوزارة للعنصر النسوي في جميع مجالات العمل الأمني.

وأشار إلى أن هناك مديرية خاصة لتمكين المرأة داخل الوزارة، تتولى مسؤولية وضع الاستراتيجيات والمقترحات التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في مؤسسات الوزارة. وقال: "نحن نعمل على تخصيص نسبة معينة للعنصر النسوي في مختلف الدورات الخاصة بالضباط، لضمان تمثيل مناسب للمرأة في جميع القطاعات الأمنية."

وفي ما يخص خطط الوزارة المستقبلية، أكد المحنا أن هناك نية لزيادة أعداد المقبولات في الأكاديميات والمعاهد الأمنية لتخريج ملاكات نسائية مؤهلة للالتحاق بمناصب الضباط، مشددًا على أن الشروط والمعايير المطبقة على النساء ستكون نفسها التي تطبق على الرجال، بما في ذلك الشهادات العلمية والتخصصات واللياقة البدنية، والعمر، لضمان تكافؤ الفرص بين الجميع.

وكان وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، قد أكد أن العمل الجاد والمثابرة من قبل العنصر النسوي سيؤديان إلى إحداث تغيير جذري نحو الأفضل في بيئة العمل الأمنية. وشدد على أن وزارته تعوّل بشكل كبير على دور المرأة في دفع عجلة التطور والنمو في مختلف مفاصل الوزارة، قائلًا: "المرأة في الوزارة ليست فقط جزءًا من العمل الأمني، بل هي شريك رئيس في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي نسعى لتحقيقها."

وفي الشرطة المجتمعية، يبرز دور المرأة كمثال حيوي داخل هذا القطاع. فمن خلال تقديم فرص تدريبية وقيادية، يسهم هذا التشكيل في تعزيز مشاركة المرأة وتوسيع حضورها في العمل الأمني. وفي هذا السياق، أوضح مدير الشرطة المجتمعية العميد علي عجمي رسول، الدور المهم الذي تلعبه المرأة في تطوير الأداء الأمني، خصوصًا في التواصل مع المجتمع وحل القضايا المتعلقة بالعنف الأسري والفئات المستضعفة.

وأضاف لـ"الصباح" أن الشرطة المجتمعية توفر برامج تدريبية متخصصة تركز على القيادة وحل النزاعات، والتواصل المجتمعي، ما يسهم في رفع كفاءة المرأة في أداء مهامها الأمنية.

وأشار رسول إلى أن الشرطة المجتمعية تعمل على تعزيز القوانين والسياسات التي تكفل حقوق المرأة داخل المؤسسات الأمنية، بما في ذلك ضمان بيئة عمل آمنة وخالية من التمييز أو التحرش. وأكد أن الشرطة تشجع على تولي النساء مناصب قيادية، ما يسهم في كسر الحواجز التقليدية وترسيخ الثقة في قدراتهن داخل المجال الأمني.

وأضاف: "وجود المرأة في الشرطة المجتمعية يعزز العلاقة مع المجتمع، حيث يسهل تواصلها مع النساء، خاصة في القضايا المتعلقة بالعنف الأسري والجرائم التي تستهدف الفئات المستضعفة. وهذا يسهم في تحسين صورة الشرطة كمؤسسة تراعي احتياجات الجميع وتسعى لتحقيق العدالة بشكل أكثر إنصافاً وإنسانية."

ورغم هذه الجهود، أشار العميد رسول إلى التحديات التي ما زالت تواجه المرأة في الأجهزة الأمنية، مثل النظرة المجتمعية التي تقلل من قدرتها على أداء المهام الميدانية، رغم كفاءتها. كما أن طبيعة العمل في الشرطة، تتطلب ساعات طويلة ومناوبات ليلية قد تشكل تحديًا في التوفيق بين الحياة المهنية والمسؤوليات الأسرية، إضافة إلى ذلك، قد تتعرض بعض النساء لمضايقات أثناء أداء عملهن، ما يستدعي اتخاذ إجراءات لحمايتهن وضمان بيئة عمل آمنة.

تعد مشاركة المرأة في القوات الأمنية جزءًا أساسيًا من التطور الكبير الذي شهدته هذه المؤسسات على مدار العقود الماضية. ووفقًا للخبير الأمني سرمد البياتي، كانت للمرأة مساهمات مهمة في القوات الأمنية منذ الثمانينيات، حيث دخلت في مجالات متعددة مثل الطيران العسكري والقوة الجوية، وتدرجت لتشمل الجيش والشرطة والتحليل الاستخباري والإدارة، إضافة إلى بعض الصنوف القتالية. وأضاف البياتي لـ"الصباح": بعد التغيير، انفتحت مجالات جديدة للمرأة في هذه القطاعات، إلا أنه أشار إلى وجود تحديات مثل التمييز الوظيفي والوضع المجتمعي الذي قد يقف عائقًا أمامها. من جانبه، أكد الأكاديمي الدكتور عبد المنعم الشويلي، أن المرأة أثبتت قدرتها على العمل جنبًا إلى جنب مع الرجل في جميع الأجهزة الأمنية. وأضاف لـ"الصباح" أن التحديات التي تواجهها تشمل ثقافة المجتمع ونظرة الناس تجاه دور المرأة في هذا القطاع، مشدداً على أن المجتمع بحاجة إلى تقبل وجود المرأة في المناصب الأمنية، مع ضرورة وجود دعم وتشجيع من الرجل لتذليل العقبات التي تقف في طريقها.