جماليات الفن الواقعي

ثقافة 2025/02/12
...

 خضير الزيدي 


لا اختلاف بأن الفن الواقعي يستهوي المتلقي، ويأخذ وقتاً في تأمله ومراقبة حساسية الاشتغال ومعرفة طبيعة الألوان والتكوين،  والأمر عائد لأسباب تتعلق بما تبتغيه العين المجردة من مشاهدة وما تصبو إليه الذائقة والشعور اتجاه جماليات التصور الفني. وبما أن هذا الفن يلامس اليومي والمعاش فقد رأوا فيه كثيرون بأنه الأكثر التصاقا بالمشاهدة والأقرب لوجدان من يتابع انجازاته  المتعلقة بالفن الواقعي. وحتى الواقعية المفرطة في توجهاتها الأخيرة باتت الشغل الشاعر لمن يحتاج لبيان فهم ما يصبو اليه الفنان من توجه وغاية بعد عرضه 

العمل. 

وقد عبر كثيرون بأن هذا الفن هو مقاربة صورية لا تبدو مستقلة ومنفصلة عن الحياة التي نحياها لكن الأمر في الاختلاف حول كيفية المعالجة والتناول والنظر لقيمة ما يدور حولنا. وإذا توالت المحاولات لانتاج فن من الواقعية المفرطة بشكل حساس ودقيق فأن الأمر عائد لطبيعة تكنيك الفنان وخياله وحساسيته في انتاج مثل هذا التصور  والتساؤل المطروح هنا أين يكمن جمال اللوحات بطريقة التأثير  في التعامل وفعل التمثيل البنائي؟ ما نريد التأكيد فيه بأن الفن الواقعي لا يشكل قاعدة فارغة خارج المألوف مهما تنوعت الطرق التي يستخدمها الفنانون لأنه بطبيعته لا يوازي اية عتبة مختلفة، بل يعمل على تمثيل الشكل الخارجي بمقاربات وموضوعات تلامس الإنسان، وهو هنا أقرب للفن الفوتوغرافي إلا أن الاختلاف ليس في الوسيلة والآلة فقط، إنما في تعيين الفضاء العام وما تحفل به العين الإنسانية من حساسية وتمييّز وقد يكون من جملة أسبابه في بث الجمال. إنه في مستويات تتخذ من الإنسان وما يحيطه شواخص للتعيين والعفوية والاقتراب. وهذا الالتصاق يبدو مظهرا فعالا إذا ما بحثنا عن الأسس الجمالية لمثل الفن الواقعي. ولا يخفي علينا أنه يلامس الذاكرة، لهذا تتمتع العين برؤيته ويتعين على العقل الإنساني أن يأخذ بالحسبان ما يتناغم بين البصر والذاكرة ليكون في النهاية خيار الجمال حاضراً أمام دهشتنا، والسبب الآخر الذي يجب الأخذ به أن مؤثرات الفن الغربي ومنه التجريد وخاصة التجريد اللوني ما عاد يستهوي المتلقي لعدم وجود موضوع معين يتداخل بين عمل اللوحة وما يصبو اليه المتلقي، فالأخير يبحث عما هو وجداني وعاطفي، ويبحث عن فن يستلهم محركات التاريخ والواقعية ما عاد المرء ينشغل بالتأويل وقراءة التعكز على الأفكار والرؤى الغرائبية داخل منظومة الفن، وقد نستثني من هذا التصور ما يتطابق بين الحس التجريدي والزخرفي، وخاصة إذا كانت هناك تشخيصية محصورة في سياق العمل الفني، ولكن ما الحل الأمثل لمثل هذه المشكلة؟ علينا أن ندرب ذائقته على الفن ونفهم الأسس الصحيحة وكيف يكتسب الفنان مرجعياته ومن أين يستدل عليها. واعتقد أن فهم الفن يحتاج لتربية من نوع خاص يبدأ المرء فيه منذ طفولته، وهنا سيكون الانتظام في الاحتفاظ برؤية العمل ذهنيا أو عبر الذاكرة لها ما يمثلها تصويريا في الحدس أو التخيل، ومع كل هذا الذي نتحدث عنه تبقى المشكلة في تلقي الفن والاقتراب من حدسه وجمالياته، وفهم صناعته قاصراً عندنا، ووفق هذا التصور يرجع المرء إلى رؤية الأعمال الواقعية لتبدو هي الأكثر في حضورها المفعم بالمواضيع المراد طرحها أمامنا، فالمغزى من الفن منذ نشأته أن يلامس وجداننا، ونتعلق به كجزء مكمل لتاريخنا والعودة إليه، لن تكون محفوفة بالمخاطر طالما ينطوي على أكثر السمات تقاربا  بين الواقع 

والمتخيل.