سامر المشعل
انتقل المسرح الغنائي من أوروبا الى العالم العربي في القرن التاسع عشر وازدهر بمصر ثم تراجع، بسبب ظهور الأفلام الغنائية والاستعراضية، والسبب الآخر والأهم هو سيطرة فكرة النجم الأوحد في الغناء، فغاب العمل الجماعي وطغى الجانب الفردي الأكثر سهولة والأقل كلفة وجهدا من العمل المسرحي.
رائد فن المسرح الغنائي هو ابو خليل القباني، ثم عمل على تطوير المسرح الغنائي جملة من الملحنين ابرزهم: داود حسني وسلامة حجازي وسيد درويش.. من خلال تضمين الاعمال المسرحية الافكار التي تتلاءم وطبيعة المجتمع العربي وبالاخص سيد درويش، الذي اخذ يتناول موضوعات يستهلها من واقع الشارع المصري وحاراته.
تناول المسرح الغنائي العديد من القضايا العربية المعاصرة وكان اداة للتثقيف والتنوير والتسلية معاً، وحث على تعزيز أواصر الأخوة العربية والقومية بأسلوب غنائي استعراضي ممتع وهادف.
علقت العديد من الاعمال المسرحية والاوبريتات بذاكرة المتلقي العربي ولعل أبرزها أوبريت " الوطن الاكبر" بالعام 1960 بمناسبة مشروع السد العالي بمصر، وتعود فكرة إنشاء هذا الأوبريت الى الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي طلب من الشاعر أحمد شفيق كامل أن يكتب الأوبريت، ووزعه موسيقيا علي اسماعيل، شارك في الأوبريت ابرز نجوم الغناء العربي انذاك وهم: نجاة الصغيرة وشادية وصباح وهدى سلطان وكانت حصة الأسد للعندليب عبد الحليم حافظ، فقد غنى مقدمة وخاتمة الاوبريت. أيضا أوبريت " الليلة الكبيرة" في العام 1961 من تاليف صلاح شاهين والحان سيد مكاوي، تناول الفولكلور الشعبي والمولد في مصر من خلال استخدام فن العرائس. واوبريت " الدول العربية" وكان من بطولة الفنانة سميرة توفيق، التي تطرقت الى ثقافات وغناء الدول العربية، وغنت فيه أغنية " وحدك ملكت الروح يا ابن العشيرة" التي لحنها رضا علي لصوتها. واشتهر على نطاق واسع اوبريت " الحلم العربي" في العام 1998 من الحان حلمي بكر وتوزيع حميد الشاعري وكتابة مدحت العدل وشارك فيه ابرز نجوم الغناء العربي. وعندما نتحدث عن المسرح الغنائي لا بد أن نتوقف عند تجربة الرحابنة باحترام، وما قدموه من مسرح غنائي متطور من كل الجوانب ومتضمن لكل فنون المسرح الغنائي من الموسيقى والغناء والحوار والتوزيع اوركسترالي الفخم.. فقدموا مسرحا غنائيا ثريا بمفاهيمه الجمالية والفكرية.
في العراق ظهر المسرح الغنائي أواخر الستينيات في البصرة من خلال أوبريت "بيادر خير" بالعام 1969 من إخراج قصي البصري وألحان حميد البصري وكتابة علي العضب وسيناريو ياسين النصير، شاركت فيه مجموعة من المواهب اليسارية والشيوعية بدافع الحب لإظهار مواهبهم وإسعاد الناس منهم: فؤاد سالم وطالب غالي وشوقية العطار وسيتاهاكوبيان.. فكرة الأوبريت تتلخص بهجرة الفلاحين، وعرض ببغداد وبعد النجاح الكبير، الذي حققه " بيادر خير"، قدم المخرج قصي البصري اوبريت " المطرقة" من ألحان طالب غالي وشعر علي العضب. بدأ المسرح الغنائي قويا ورصينا من البصرة، ولم يقوَ على الاستمرار بنفس القوة والتوهج.