شارع (أبو كاطع)

ثقافة شعبية 2025/02/13
...

كاظم غيلان 


تبتكر مخيلة الروائي أبطالا، وأحيانا مدنا وأماكن مفترضة، تغدو بمرور السنوات شاخصة كما الواقع، ولربما نعيش معها ونحاورها افتراضا أيضا. في السخرية السوداء اعتمد الفنان الشهيد ناجي العلي شخصية (حنظلة) متخذا منه رمزا للخيبة والمرارة والتهكم ازاء ما منيت به قضية فلسطين وعموم المحيط العربي من خيبات وانكسارات حتى غدت هذه الشخصية رفيقة للعلي. 

يقابل هذا في التجربة العراقية شخصية (خلف الدواح)، التي رافقت تجربة كاتب العمود الشهير  شمران الياسري (ابو كاطع)، وفضلا عن تميزه في كتابة عموده (بصراحة ابو كاطع) الذي اعتاد نشره في صحيفة (طريق الشعب) فهو روائي الريف بامتياز الذي يقابل روائي المدينة (غائب طعمة فرمان)، كما أشار لذلك العديد من النقاد، وله فيها رباعيته المعروفة (الزناد، بلابوش دنيا، غنم الشيوخ، فلوس احميد) والتي الحق لها فيما بعد (قضية حمزة الخلف).

ويكاد يكون ابو كاطع من أبرز ما انتجته الثقافة الشعبية العراقية في هذا المضمار، والذي لا أعرف سبب التغاضي عنه من قبل الواجهات التي تدعي اهتمامها بهذه الثقافة الحية التي لا تنفصل عن عموم ثقافة العراق، وإن كان السبب في ذلك سياسيا فقد زالت أسبابه بعد سقوط النظام الذي فرض حظره على منجز ابو كاطع.

لسنوات طويلة وانا أضع تخمينا لشخصية (خلف الدواح) واعدها متخيلة، مفترضة من صناعته لولا كتاب د. عبد الحسين شعبان (على ضفاف السخرية الحزينة) الذي صدر عن دار الحكمة - لندن ١٩٩٧ والذي وصلني مهربا في العام 2001 إذ وجدت صورة خلف الدواح وبعض تفاصيل حياته  كأسمه الحقيقي (كعود الفرحان) فتاكدت من قربه لأبي كاطع ومعايشته له. حسنا فعلت الجهات المعنية بشوارع بغداد حين أطلقت اسم فقيدنا شمران الياسري (ابو كاطع) على احد الشوارع الحيوية في محيط ساحة الأندلس، وهو جزء من مستحقات هذا الكاتب والمناضل الذي اسهمت كتاباته الصحفية الشجاعة في فضح النظام السابق وعززت مكانة الأدب الشعبي عبر رواياته.

أسماء شوارعنا تفصح عن هويتها بوضوح، فما أن نسمع بـ(شارع المتنبي) حتى يتراءى لنا الكتاب، وبالفعل فهو شارع عرف بمكتباته وفعالياته الثقافية ولعله الشارع الابرز عراقيا للكتاب.

وما ان يذكر اسم (شارع ابو نواس) حتى نتذكر هذا الشاعر المدني العظيم ونستذكر سحر وجماليات رسخت في ذاكرتنا كانت تضيء جانبي الشارع من كازينوهات وحدائق غناء ونافورات وسمك مشوي، اطبق عليها الظلام منذ اليوم الأول للحرب العراقية -الإيرانية واستباحته ظلمة قاهرة.

شارع شمران الياسري لا شيء فيه  يشير لشخصيته وعموده ورواياته سوى قربه من مقر حزبه الشيوعي، الذي سينتقل حال اكتمال بناية مقره الجديد. فالشارع تشغله عدد من المشافي ومعارض السيارات وبضع بنايات جميعها لاتوحي باسمه، بل ولا حتى بـ(خلف الدواح)، فكم أتمنى ان يخصص أكثر من (كشك) ولا أقول (مكتبة) يعرض مطبوعات هذا الكاتب الكبير، لعلنا نستذكره، ولعل الأجيال الجديدة تتعرف عليه أكثر من اسم الشارع.

انها أمنية وكما نعرف فالأمنيات بعضها يخيب والآخر يصيب.

انها (بلابوش دنيا).