ما تعريف الثورة سيدي {فالانتاين}؟

ثقافة 2025/02/13
...

  جاكلين سلام


كلما عشقنا سالَ دم جديد في رحم اللغة وأخضرَّ الكلام. 

ثورة المحبين جنان أجسادهم وأرض أناهم بعد فصل الخوف من الموت في رحم الظلام. 

شتاء آخر، وفينا ما فينا من حطب ونار وماء الهيام.

* *

الثورة يا عاشقي، أن يصبح للعاشقين كتاب بلغة القلب والجسد، وأرض للوردة والنبع وإيقاع للنشوة خارج النوتة الموسيقية. وأن يكون للمفرد قيمة وقدسية الجمع. أن يكون هناك رقص النشوة خارج الشبهات، فالرقص يحررنا بلا مجلد الكلمات حيث لا تموت الأصوات العاشقة حين نموت.

* *

 كلما مات في أجسادنا الهوى أحييناه بالأفكار المنبثقة من رفض الواقع المشروط، فعادت أصواتنا واقعية إلى الحياة وتجددت صورها الشابة مع كل قراءة جديدة.

هل القراءات والكتابات فشل في الواقع؟ 

تعدد القراءات، قتل للواحد وضيق الأفق والقوالب الجامدة.

هل تنتظرين يا امرأة رداً من فالانتاين في مثل هذا الزمن؟! 

بالتأكيد لا، لأنني أخفي سرّه وأعرف ما لا يعرف عن ذاته وعن الحبّ. وهو تائه ولا يجيد القول الصريح على أي حال. لعله تعلم بأن عواطفه مستترة، وعلى الشريكة أن تقطّر الأشواق في محطات العمر.

* *

هل ساوركِ العشق في الخمسين وبعد سيدتي؟! بعد المحاولة الأخيرة في معرفة سر خيبة العشاق، تعمّقَ شغفي في كتاب الحب سطوراً  كعطر وفكر يحمل في حناياه ضباب المعرفة مع الملائكة والشياطين. تنقلتُ بين الدروب بدهشة، كنتُ أعتقد أن الملائكة قريبة مني وربما نائمة في قرية مهجورة في الجوار وستحضر للنجدة. انتابني الشك بوجودها والذهول، لم يكن هناك أحد يسمعني سوى معابر المكان الذي حلمنا أن يجسّد سرنا. أدركتُ أن الحرية بداية الكشف. تناسيتُ ما تعلمت من إيقاعات بدائية للتشافي بالموسيقى والماء. بمصالحة أنصاف الشياطين أكثر من أنصاف العشاق.  آن الأوان أن أكون أناي بينهم غير عابئة بالأقنعة، بل الوجوه العارية والألسنة التي تجيد القبلة الأولى والأخيرة بالنهم ذاته. 

* *

علّمني الوقت الشفاء بصياغة فوتوغرافية للغات الحب منذ البدء، والعيش على حافة الأهواء والأمكنة في معادلة ناقصة وقدم حذرة في التوازن على شفير حرية نصف واقعية، مدروسة كقبلة حبيب ينبثق من بين السطور، يقول تعالي، دعيني أحبّ نفسي فيكِ خارج قاموس الأمكنة والأزمنة. 

* *

أقول يا عاشقي: قلبكَ بين شفتيك، وبين ذراعيك تقوم الجنان أو تكون. 

ليست الجنة جغرافية، الجنان سر الأشجار والأجساد. 

جمع يتكاثر بالتوحد وينفصل محملاً بالفراغات التي تبحث عن الإشباع.

التصقتْ ذاتي بذواتها المتراوحة بين همس ملاك وتأنيب عقل منطقي يعاقب قبل أن يشعل جسد الفكرة بهواجس الأسئلة الأبدية. 

* *

محاور حبنا تدلنا على بعض ما تبلور مني ومنك في سطور الكتاب بانسياب يتجاوز قلق انكشاف أطراف المعادلات الكونية وجوهرها في جسد وجسد، بين فكرة مجردة وتجلياتها في الواقع ولو بعد حين. تأويل الرموز الأسطورية في قصص المحبين الآيلة إلى السقوط، ليست مناسبة لكل الفصول. وهذا شتاء آخر ترفع من معدل عتمته، خيبة آمال عشاق الثورات السامية في بلادنا. لكل قلب ثورة أفقية وأخرى ثلاثية الأبعاد. لبعدكِ وقربك منحى الثورات التي تنتفض على نفسها قبل أن تسقط في اليباب. 

* *

قبل رحيل العاشق الغريب، أدرك أنني امرأة كانت تكتب وتفكر بصيغة نحن. ذات منعطف خرجت من قيد روحها وقوقعة المكان وقالت للغريب: أحنّ إلى كلي الكلي فيك وفيّ دون قيد ومعرفة مسبقة والتزام قادم.  أنا التي ولدتُ بيني وبينك في سر العشق كي أهمس ما بقي في صوتي من غناء يوقظ الأرض والسماء الوديعة 

بيننا.

* *

نحن- أنت وأنا-، ما زلنا نقاوم كي ننزاح من كوننا موضوعاً وقضية اجتماعية، إلى ضرورة اعتبارنا ذاتاً مفردة وكلية في آن. وهذا موضوعيٌ ومتشابك في معاريج الكون المنسكب أمواجاً في رحاب هذا البياض المتمادي أكثر من حدود ذاتي. قلت لروحينا: هل نستطيع أن نكون ما انكسر فينا من جرار الحب والرغبات عند حافة النهايات؟

* *

تعلمتُ مني ومنكم أنه لا بد لي أن أختلف مع السائد وأعترض على نقصانه بقسوة وقوة حتى لو كلفني ذلك أن أقف في المرج وحدي مع حلم عاشقة تحاول تجاوز ذاتها الجمعية الأولى، وتتحفظ على جمرة الخوف وتريدها أن تصبح نعمة الفرح وسعادة البذل. 

* *

كأنني أنا الآن، غفوتُ في هذا المكان ثم وقفت وحدي وحصدتُ أيامي في مسودات بين الأدراج ثم أحرقتها وأخذت صفوة الوهج كي أعيد كتابة غدنا وما يقتضيه الدرب وعشق الآن من إقدام وتخلٍ عن الموروثات الثقيلة.

* *

لا شيء يكتمل بالمطلق. أرفع الإيقاع من قلبي رتيباً إلى فمك ومن شفتيكَ أقطف رغباتي وبها أغتسل. أقول في سري: لماذا يا امرأة يأخذك الارتباك في هذا المقام؟

 أقول لعله الشعر أو عدمه، أو لعلني لست إلا موجة خضراء يغويها الإبحار في النقصان وأحلم بثورة أخرى على نفسي مكتملة الأركان كي أعود إلى ما كنت قبل ميلاد العشق والوردة.

* *

نصف أسباب انتكاسات المحبين يا فالانتاين، قصائد الحب العذري، وذلك السهم الذي يجب أن يخترق القلب ويقطر دماً به ننتشي. لا تصوب سهمك إلى قلب محبرة الأنثى وتأخذ لها صوراً فوتوغرافية للذكرى.