بغداد: مآب عامر
في مرحلة الدراسة الإعدادية، كنت مع زميلات الدراسة نتبادل الكتب التي تحمل أفكاراً عن الرومانسية، كما كنا نتصور مثل "جين آير" لشارلوت برونتي، و"العطر" لباتريك زوسكيند، و"مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز، و"ذهب مع الريح" لمارغريت ميتشل، و"دراكولا" لبرام ستوكر، وكذلك بعض من روايات يوسف السباعي ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرها.
لكن المفاجأة أن هذه الروايات على الرغم من اختلاف قصصها المليئة بالإثارة السردية إلا أنها في نهاية القراءة تصيبنا بالصدمة وتغير مفاهيمنا عن الحب والحياة، حتى تلك الروايات التي تمجد الحب وتقدسه كانت حبكتها تدفعنا للشعور بالخيبة والحزن، لأن نهاياتها لم تكن سعيدة كما هو متعارف عن حقيقة الرواية الرومانسية في أنها دائماً ما تكون بنهاية سعيدة.
غداً الجمعة 14/ 2 التاريخ الذي يصادف المناسبة السنوية لعيد الحب "فالانتاين" العالمي، وهو ما جعلني أفكر بالكم الهائل من الروايات الرومانسية التي تصدر سنوياً في العالم، وأتساءل هل لا يزال القراء يرغبون باقتنائها وقراءتها ولماذا، وأي الأعمار التي ترغب بتداولها، ولماذا يركز العديد من الكتاب على الاشتغال بهذا النوع من السرد الروائي؟ مع الأخذ في الاعتبار أن الأدب الرومانسي اليوم قد تطور وتغير بشكل كبير عن السابق.
يُعتقد أن تاريخ الروايات الرومانسية، يعود إلى رواية "باميلا" لصامويل ريتشاردسون عام 1740، ومنذ حينها بدأت بالاتساع حتى يومنا هذا.
لقد كانت الروايات الرومانسية حتى وقت قريب غير مرغوبة وسطحية وساذجة وأنها لا تمت للواقع بشيء، من منطلق أنها خيالية وتأخذ القراء إلى جهة بعيدة عن الحياة اليومية الممتلئة بالأحداث المصيرية والكارثية.
في المقابل، فإن المصادر تشير إلى أن الغالبية العظمى من قراء الروايات الرومانسية هم من الإناث، كما أن هذا النوع من الروايات يأتي في ثاني أكثر أنواع الكتب مبيعاً في العالم، وربما هذا الشيء يعود كما يقال إلى طبيعة المرأة وميلها للحكم على الأحداث بشكل عاطفي، ورغبتها الدائمة في البحث عن عوالم بديلة مثالية تدور برومانسية.
ولكن تحول كتب الروايات الرومانسية إلى عالم السينما والفن الدرامي، وحرص غالبية القنوات الفضائية على عرض تلك القصص الرومانسية عبر شاشاتها الفضية، حيث تناول العديد من الروايات المشهورة كأفلام ومسلسلات وحصدها الكثير من المشاهدين والمتابعين غير الكثير من اعتقادنا عن الروايات الرومانسية على الرغم من أن من بين هذه الروايات قد تحولت الدراما السردية الخاصة بها إلى دراما تتناسب مع العصر وتوجهاته، ولكنها مع هذا كانت تلمح بشكل ما إلى القضايا الإنسانية في إشارة إلى أن وجود الحب يرتبط بالعدالة.
حتى أن أكثر التطبيقات في "السوشيال ميديا" قد أسهمت في أن يكون الطلب على الروايات الرومانسية كبيراً مثل "التيك توك" حيث يصنع المتابعون مقاطع تعبر عن ردود أفعالهم تجاه مشاهد وقصص تلك الكتب، كأن يظهر أحدهم في الفيديو وهو يرشح طريقة في التعامل أو نصيحة معينة أو اكتشاف ما عبر الإشارة إلى مؤلف أو كتاب، أو اظهار مقولات مجتزأة من سطور رواية مع خلفية لمشاهد من وحيها.
اللافت أن الكثير من الجهات المنظمة والمشرفة على الجوائز العالمية المهمة قد أظهرت اهتمامها بالروايات الرومانسية، فبدأت بمنح جوائزها لها كوسيلة للتعبير عن ضرورة النظر بعين الاعتبار للمشاعر والعواطف والذات، وبالتالي كلها تدور حول مفاهيم الخير والشر. وإن ما يحدث من دمار كوني يتمثل بصور عديدة من ارتكاب الجرائم واتساع الخطايا والابتعاد عن الحس الإنساني وانتشار السلوكيات السلبية وحتى تلوث البيئة يعود بالأساس إلى فقدان الحب.
بالنظر إلى ما يحدث، فإن قراءة بعض الروايات تبدو وسيلة فعالة وكافية لتذكيرنا بصور الحب المختلفة والتي لا تتعلق بالبطل العاشق، بل بتلك العاطفة المتمثلة بالرحمة والتعاون والإخلاص وبالتالي العدالة الإنسانية.