بغداد: نوارة محمد
يحظى عيد الحُب "يوم الفالانتاين" بشعبية عالية واهتمام كبير في مجتمعاتنا العربية في الأعوام الأخيرة، لما يحمله هذا اليوم من رمزية لتخليد الحب، البعض يرون أن هذا الاحتفاء مناسبة لتجديد المشاعر وإظهار المودة والامتنان للطرف الآخر، بينما يعتقد آخرون أن هذه الثقافة ظاهرة لم تنشأ إلا بفضل التقدم الذي طرأ مؤخراً والتأثر بثقافة الغرب.
ويرى الكاتب والروائي عباس لطيف أن ثقافة الحب والنزوع إلى التحليق القيمي لا تجد لها فضاء في عالمنا العربي الذي يتدحرج نحو هوة التصحر والخواء.
ويقول: نحن بحاجة لإظهار الحب لمواجهة سلوكيات الزيف المظهري. ويضيف أن "العالم مؤخراً تأثر كثيراً بايديولوجيات دُعاة السلطة والفكر الذي خلفته الحروب، وأن الاحتفال بعيد الحب حالة صحية أنعشت البلاد من رماد الحروب، لا سيما نحن أمة لها ابتلاءات ذاتية وموضوعية، تنتظر المعجزات ولا تحاول أن تؤسس لخطط موضوعية بإمكانها أن تغير جزءاً بسيطاً من الواقع المتصدع".
أما الصحفية نبأ مشرق فتعتقد أن الأيديولوجيات والسرديات الكبرى ونظريات السياسة والحروب والهيمنة والاستحواذ والأنانية الضيقة تحيل العالم إلى جحيم أرضي. وتقول إن "ما يتبقى ونعتاش عليه هو ثقافة الحب الذي يمارس دوراً بالغ الأثر في إعادة إنتاج الإنسان، واكتشاف القوة والطوق الوحيد الذي يحمل صفة النجاة والتشافي وتطهير النفوس والعقول".
من جهته، يرى الشاعر حسين علي رهيف: قد يبدو الاحتفاء بهذا العيد في الظاهر حدثاً إيجابياً بسبب ما يحمله من بعد رومانسيّ إيجابيّ للعلاقة بين الحبيبين، لكن هناك بعداً سلبياً يتجلّى في إضعاف الهوية الثقافيّة للشعوب من خلال تبنّي تقاليد ومناسبات لا ترتبط بثقافتها، ولا تمت لقيمها وتقاليدها بصلة. ويتابع: نتيجة لذلك أمسى الصراع بين المحتفلين بها والرافضين للاحتفال بها مدعاة لإضعاف النسيج المجتمعي في مجتمعنا من خلال الخلاف والتناحر على عيد وافد من ثقافة غربيّة.
ولا تنتظر منة الله ظاهر هذه المناسبة إطلاقاً، لأنها ترى الحب موجوداً في حياتها دائماً، وتقول: حبي لأسرتي، وعملي، وأصدقائي وللحياة أيضاً. ولا تعتقد أن الحب بحاجة ليوم للاحتفاء به أو التعبير عنه، بل نحن بحاجة للتعبير عن الحب وتبني مظاهره يومياً، مؤكدة أن "تبني هكذا نوع من الثقافات لدى البعض في المجتمع، قد يبدو شيئاً حديثاً أو ربما ثقافة اجتماعية مستحدثة، ليست فقط بعيد الحب وإنما بمناسبات أخرى".
من جهته يقول الفنان التشكيلي والشاعر عمار بن حاتم: لا أدري ما إذا كان الحب يحتاج إلى عيد ليحتفل العالم به، فقد تكون كل الأيام أعياداً للحب وقد تعد ذكرى لقاء حبيبين عيداً لهما أو ذكرى زواجهما أو غيرها، لذا ليس بالضرورة أن نستنسخ تقاليد بعض الشعوب استنساخاً مشوهاً يؤدي إلى تشويه القضية بالكامل وتسفيه الحب إلى درجة يكون مبتذلاً ورخيصاً برخص الهدايا التي صرنا نرى ترويجاً لها قبل كل عيد للقديس فالانتاين أو فالنتينو!.
ويتابع: على سبيل المثال في الثاني من تشرين الثاني من كل عام وفي المكسيك تحديداً يحتفل الناس بيوم الموتى بكرنفال كبير تجتمع فيه جميع الأسر لتكريم مَن ماتوا منها، معتقدين أن الموتى يهبطون بأرواحهم إلى الأرض لينضموا إليهم! فهل يمكن استنساخ هذه المناسبة والاحتفال بها في مجتمعاتنا الشرقية؟ بالتأكيد لا، لأن لكل شعب تقاليد واحتفالات ومناسبات تختلف من شعب لآخر. ويشير إلى أنه لا يشترط أن يكون للحب عيد بمواقيت وطقوس وبهرجة ربما قد تكون كاذبة، فعندما يكون الحب معتقداً وديناً وغاية ستكون كل الأيام هي أعياداً للحب! لذا فإني أقول دائماً "كل لحظة والعالم بحب".
أما المخرج المسرحي والشاعر أحمد ضياء، فيقول: مثلما هي الحياة وتغيراتها، أجد أن الحب هو رؤية لمحيط حياتي من شأنه أن نحتفي به، ليس هنالك حب فقط للحبيبة بقدر ما هو إنساني لكل المتغيرات: "الشجرة، الأم، الأصدقاء"، فنحن لا نرزم الحب في الحبيبة فقط، وإذا ما فعلنا ذلك بخصوص الحبيب فلا ضير من الإشهار، بعده الأداءات بعيداً عن يافطات الحزن والألم التي توغلت فينا. ويتابع: اليوم أجد أنه واحد من أعظم الأشياء التي نكون فيها، من أجل إشاعة قلاع الألفة والتفاهم، ليحيا الحب.