بغداد: سرور العلي
يعد العراق من البلدان التي تزخر بالعديد من المعالم الدينية ذات الأهمية الكبرى، والتي تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. هذه المواقع المقدسة ليست فقط أماكن للعبادة، بل أيضا مصادر جذب سياحي، يمكن أن تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المحلي.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من خمسة ملايين زائر شاركوا في مراسم الزيارة الأخيرة للنصف من شعبان في كربلاء المقدسة، فيما شهدت مدينة الكاظمية مشاركة 14 مليون زائر من داخل العراق وخارجه في ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر عليه السلام.
أما في الزيارة الأربعينية، فبلغ عدد الزوار أكثر من 21 مليونا. هذه الأعداد الكبيرة من الزوار تبرز أهمية السياحة الدينية في العراق كرافد اقتصادي، يسهم في تنمية العديد من القطاعات الحيوية.
أحمد صادق، أحد المهتمين بالشأن السياحي في العراق، يرى أن السياحة الدينية لا تقتصر على تعزيز الوعي الديني فحسب، بل تسهم أيضا في التعرف على المعالم المهمة والثقافة المحلية. ويؤكد أن هذه السياحة تمثل فرصة للتفاعل مع العادات والتقاليد التي تميز المجتمع العراقي.
العراق يمتلك ثروة ضخمة من الأماكن الدينية والتاريخية، التي تجذب الملايين سنويًا من مختلف الطوائف الإسلامية، مما يجعل السياحة الدينية مصدرًا مهمًا لدعم الاقتصاد الوطني. كما يشير المتحدث باسم العتبة العباسية، خالد الثرواني، إلى أن محافظة النجف الأشرف، التي تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذلك الأماكن المقدسة في الكوفة وكربلاء، تشهد زيارات ضخمة خلال المناسبات الدينية مثل عاشوراء والأربعين وليلة النصف من شعبان. هذه الزيارات تسهم في تنشيط قطاعات كبيرة مثل الفنادق والمطاعم والنقل، والصناعات اليدوية. وتصبح هذه الأماكن جاذبة ليس فقط للسياح المحليين، بل أيضا للسياح الأجانب.
ورغم هذه الإمكانات الاقتصادية الكبيرة، يواجه العراق تحديات عديدة في تطوير السياحة الدينية. أبرز هذه التحديات هو التسويق الأمني، إذ يعاني العديد من السياح من مخاوف تتعلق بالأوضاع الأمنية في البلاد، بسبب الإعلام السلبي الذي يروّج له البعض. وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل إدارات العتبات المقدسة لتوفير البنية التحتية المناسبة، إلا أن الوضع العام ما زال بحاجة إلى تحديث وتطوير، خاصة في مجالات الطرق والفنادق والمطارات، والمعابر الحدودية.
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي أكد في حديثه لـ"الصباح" أن السياحة تعتبر موردا اقتصاديًا مهمًا في معظم دول العالم، حيث تعتمد العديد من البلدان على هذا القطاع في تمويل إيراداتها الداخلية وتنشيط العديد من القطاعات الأخرى مثل النقل والفندقة والتجارة. وأضاف الهماشي أنه على الرغم من الموروث السياحي الكبير، الذي يمتلكه العراق، فإن البلاد بحاجة إلى خطة سياحية واضحة ومدروسة تشمل تطوير البنية التحتية، لتصبح السياحة الدينية مصدراً مهماً للإيرادات غير النفطية.
وأشار إلى أن السياحة الدينية يمكن أن تسهم بشكل كبير في تقليل الاعتماد على الاقتصاد الريعي القائم على النفط، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة لزيادة الإيرادات عبر السياح الأجانب الذين يبدلون العملة داخل العراق. واستشهد بتجربة المملكة العربية السعودية، التي تعتمد بشكل كبير على السياحة الدينية من خلال الحج والعمرة، والتي تمثل ما يقرب من 7 بالمئة من ميزانية الدولة.
السياحة الدينية في العراق تفتح المجال للعديد من الفرص الاقتصادية، مثل توفير فرص عمل في قطاعات الفنادق والمطاعم والنقل، والصناعات التقليدية. كما تسهم في تحريك الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات. الدكتور عادل شاكر من جامعة بغداد أكد أن السياحة الدينية في المدن المقدسة، أصبحت تمثل رافدًا ثقافيًا واقتصاديًا مهمًا، خصوصًا في ظل وجود أسواق شعبية.
نقيب السياحيين العراقيين، الدكتور محمد عودة العبيدي، أشار إلى أن السياحة الدينية في العراق تشهد تحديات لوجستية وإدارية كبيرة. ورغم الأعداد الكبيرة من الزوار، فإن الخدمات التكميلية التي تلائم هذه المناسبات الدينية الكبيرة ما زالت بحاجة إلى تطوير. وأكد العبيدي أن هناك حاجة إلى تحسين وسائل النقل، وتوفير خدمات سياحية أكثر تطورًا تتناسب مع أهمية هذه المناسبات، إضافة إلى ضرورة توفير المزيد من الفنادق التي تلبي احتياجات السياح.
يحتاج العراق إلى جهود كبيرة لتطوير السياحة الدينية، بدءًا من تحسين الخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية، إلى زيادة التعاون مع القطاع الخاص لتوفير التجهيزات الحديثة وتفعيل دور الإعلام في تسليط الضوء على المناسبات الدينية وترويجها عالميًا. كما يمكن تعزيز السياحة الدينية عبر فتح الأسواق المحلية للسياح وتطوير الصناعات اليدوية التي تمثل الهوية الثقافية العراقية.