ترجمة: نجاح الجبيلي
يُعدّ والت ويتمان في المقام الأول شاعر أمريكا الوطني، لكنه كان أيضاً صحفيّاً، ونشرَ الكثير من مقالاته الصحفيّة من دون توقيع. ويقوم دارسون من جامعة نبراسكا على تحرّي تلك الممارسة المجهولة من أجل تقديم صورة كاملة عن إنسان كتب عن قضايا ما زالت تجد صدىً حتى الآن.
وقد اطلق على هذه الجهود البحثيَّة مشروع "صحافة والت ويتمان: العثور على الشاعر في صحيفة بروكلين ديلي تايمز" إذ تركز على نتاج ويتمان كمحرر للصحيفة المذكورة في الفترة من 1856 إلى 1859، وهي الفترة التي شهدت نزاعات داخلية حادة أدت في النهاية إلى نشوب الحرب الأهلية. وفي ذلك الأثناء كان قد نشرَ للتو الجزأين الأولين من ديوانه الشعري الرائد "أوراق العشب"، وكان على وشك توسيع رؤيته الشعريَّة بشكل كبير.
عمل ويتمان أدواراً متنوعة لدى الكثير من الصحف في مدينة نيويورك منذ أربعينيات القرن التاسع عشر. في الواقع، عمل ويتمان كصحفي معظم حياته. ويُعتقد أنّه كتب نحو 1,200 مقال افتتاحي، معظمها من دون توقيع، لصحيفة "ديلي تايمز" في السنوات التي سبقت الحرب.
وقال كينيث برايس القائم على المشروع: "كان ويتمان في قمة إبداعه وكان يعمل على جميع المستويات، حيث قام بتأليف أعماله الأكثر راديكالية كشاعر؛ لذا إذا تمكنا من تحديد المقالات الافتتاحيَّة غير الموقعة سيكون لدينا كنز هائل من المواد لفهم ويتمان كقوة إبداعيّة بشكل أفضل".
قال كيفن ماكمولين، أستاذ مساعد في قسم اللغة الإنجليزية: "نحن نعرف والت ويتمان كشاعر، ولكن في خمسينيات القرن التاسع عشر، كان الكثير من الناس يعرفونه والت كصحفي".
وأضاف ماكمولين: "كان ويتمان أشبه بـ 'كون'، إذ ينتج أفكاراً عظيمة يجسّدها في شعره. لكنّه مهتم أيضاً بالكثير من تفاصيل الحياة اليوميَّة. هذا المزيج هو جزءٌ من غموض ديوانه "أوراق العشب". لقد تعلّم أن يكون مراقباً من خلال عمله صحفياً".
يركز جزءٌ كبيرٌ من مقالات ويتمان في صحيفة "ديلي تايمز" على المواضيع نفسها التي يهتم بها كتّاب الافتتاحيات، السياسة المحلية ومشكلات البنية التحتية، كالشوارع والصرف الصحي، فضلا عن القضايا الوطنية.
ويقول الباحثون إنّه "وسط آلاف المقالات الافتتاحية التي نشرتها الصحيفة بين عامي 1856 و1859 ثمة مقالات كانت تتعقب يوماً بعد يوم أزمة وطنية متصاعدة، إذ تكمن تأملات ويتمان الخاصة بشأن انهيار الأمة. ففي دفاتره، كان الشاعر ينقح شعره؛ أما في الصحيفة فيُعتقد أنه كان يرسم أفكاراً لإنقاذ الأمة".
إنّ الكشف عن هذه المرحلة من حياة ويتمان، وهي واحدة من أقل فترات عمله فهماً، لن يكون بالضرورة مفيداً لإرثه. فقد وجد الباحثون بالفعل مقالات افتتاحية سابقة لويتمان في الصحف، بما في ذلك سلسلة عارضت التمويل العام للمدارس الكاثوليكية واستخدمت لغة تعكس توجهات قومية معادية للمهاجرين والكاثوليك.
وقال ماكمولين: "كان الناس يعتقدون: "بالتأكيد هذا ليس ويتمان صاحب أوراق العشب'. لكننا اختبرنا ذلك باستخدام الأدوات التي نستخدمها، وتبين بالفعل أنه ويتمان".
وقال برايس، أستاذ الأدب الأمريكي في جامعة هيلغاس، إنّ ويتمان أصبح لاحقاً في حياته أكثر تحفظًا، بل وحتى رجعيًا، في القضايا المتعلقة بالعِرق.
وأضاف برايس: "من الصعوبة بلوغ رؤية متوازنة بشأن ويتمان، إذ علينا أن نكون متفهمين كونه شخصية من القرن التاسع عشر كانت تعيش في ظل معايير مختلفة، وفي الوقت نفسه ندرك أنه إذا لم نوجه النقد إلى أوجه القصور، فقد نكون متواطئين في استمرار العنصرية التي كانت جزءاً من نظام أمريكا منذ البداية".
وتابع: "إنه شاعر الأمة بفضل إنجازاته وأيضاً لأنه يعكس عيوبنا وأمراضنا الثقافية.. عظيم في طموحاته ومُحبط في عيوبه".
على مدى عقود، كانت تحرّي المقالات المجهولة لويتمان تعتمد على طرق ذاتية نسبياً، تعتمد أساسًا على اكتشاف نوع من "النبرة الويتمانية" في المقالة.
ولكن هذا المشروع تضمن نظاماً أكثر تطوراً، يعمل على مقارنة نصوص مجهولة بأخرى لمؤلفين معروفين، من خلال البحث عن أنماط وتشابهات في الصياغة، بدلاً من مقارنة الكلمات المستخدمة بشكل متكرر، يقوم البرنامج بمقارنة أكثر سلاسل الأحرف الثلاثة تكراراً في النصوص.
ويعتقد الدارسون أن هذه الطريقة ستكون أداة ناجعة لدراسة تنسب الأعمال إلى مؤلفيها، وستكون أنموذجاً يمكن للباحثين أو المشاريع الأخرى استخدامه في حالات مماثلة تتعلق بمؤلفين غير محددي الهوية، حتى حين يكون أنموذج النصوص صغيرة نسبياً. على سبيل المثال. وقد تبع ذلك نسخ المقالات الافتتاحية التي تُنسب إلى ويتمان، وترميزها، وتعليقها، وإتاحتها على موقع أرشيف والت ويتمان.
عن صحيفة نبراسكا تودي