حازم رعد
من المؤكد أن للإنسان رأيا قد يكون في مقابل الآراء الأخرى "بمعنى أن يكون مختلفاً عنها" وهذا حق طبيعي له، وللإنسان أن يبديه ويظهره أمام مرأى الآخرين، وهذا ما يسمى بحق التعبير عن الرأي وهو من الحقوق الطبيعية للإنسان أيضاً، وكذلك أن له الحق في أن يخفيه ولا يبوح به، ولأي سبب من الأسباب سواء كانت تتعلق بقناعاته أو بعوامل خارجية أخرى.
ونحن حينما نتناول مفهوم الحق فلا نعني به غير ما يتملكه الإنسان من طبيعة لصيقة به منذ ولادته، ترتبط بحياة الإنسان وإرادته ارتباطاً وثيقاً يصعب معها سلب ذلك الحق عنه أو جزء منه، وإن حصل دخل الإنسان حالة من الاغتراب وفقد الشعور بالانتماء.
وبالعودة على بدء فإنه من الممكن أن تتغير آراء الإنسان من وقت لآخر، ومن ظرف لآخر، فالمفروض أن قناعاته ليست حجراً صلداً يأخذ مضمونا وشكلاً واحدا وحتى الأخير يتغير بفعل التدخلات الخارجية القاهرة.
لا يمكن تغيير قناعات الإنسان بناءً على كونها مختلفة عن قناعات إنسان آخر مهما علا شأنه ولمع نجمه "في عالم العقل لا يوجد أي محتوى يحظى بالقداسة" كل الأشياء أمام العقل بمستوى إمكاني
واحد حتى يثبت بالدليل والبرهان "العقلي" اختلاف صحة ذلك الشيء عما سواه.
القناعات تتغير أيضاً بفضل ظهور دليل جديد الذي يحقق قراءة مغايرة عن سابقتها للإنسان، وليس بفضل الاستبداد الفكري أو طبقاً لقناعات الاخرين "فكما أننا لا نستطيع أن نأكل بدلاً من الآخرين هم كذلك لا يمكنهم التفكير بدلاً عنا" كما يعبر هيجل، والعقول متفاوتة من ناحية الالتقاطات والمدخولات من الخارج أو بفعل التأمل والتفكير، وأما كون العقل واحداً عند الجميع فهو ضمانه الاختلاف الرؤيوي وتقابل القناعات والتصورات.
إن الكلام عن وجود رؤية واحدة وقناعة لا يختلف عندها الناس، أو الكلام عن نسق محدد من وجهات النظر لا يتخللها التبدل والضعف والتغير، فهو حديث ليس عن الإنسان، بل عن "الروبوتات" والإنسان الالي الذي يتحكم به عن بعد بواسطة تكنولوجيا الحواسيب الكترونية، إن من أهم سمات الإنسان هي الاختلاف والتبدل والتغيير المستمر "وهاتوا برهانكم" الدينية دليل واضح على واقعية الاختلاف، وأن هناك أفكارا من غير دليل وأخرى يتم تثبيتها بالحجج.
إن الإنسان الذي يجرؤ على استعمال عقله في الأشياء فيحقق في حادثة وظاهرة ونص فعل العقل بدءً من التحليل مروراً بالفحص والحفر المعرفي والنقد وإعادة تركيب الأفكار من جديد، هو الإنسان الذي يثبت وجوده الأصيل من بين الكثرة الكاثرة من الوجودات ويحقق حضوره المتفرد داخل الجماعة، هو بصريح العبارة يثبت أصالة ذاته المفكرة "أنا أفكر إذن أنا موجود" هذا الكوجيتو الديكارتي وبعيداً عن فحصها بأدوات المنطق الصوري، إذا ضممناها إلى مقدمة أخرى يقول بها ديكارت إن "الفلسفة تميزنا عن الأقوام الهمجيين" هي تشير إلى حقيقة أن وجود الإنسان الحقيقي فرع أصالة أفكاره وأعماله لعقله، وأن إثبات وجوده الأصيل من بين الوجودات المحايثة يعتمد على الأنا المفكرة ونوعية أفكاره، وهذه قراءة نلقيها في ساحة الإمكان، تصوب فكرتنا على ضرورة الاختلاف مع التعايش المشترك وجمالية ذلك التعايش وليس امكانه فقط.
إننا نحاول من دون توقف أن نبتكر لأنفسنا حياة تختلف عن الحياة السائدة "وإن كانت فضاء بضمنها" ولكنها ابتكار لنا، من خلالها نعيش آمالنا وطموحاتنا ونحقق فيها رغباتنا، وهي المنفسح الوحيد الذي من خلاله نهرب من بؤس الواقع، وأن للفلسفة الامكانية على خلق تلك العوالم، ففي مقابل العالم الأداتي هناك العالم الذاتي، وفي مقابل العالم الاجتماعي هناك العالم التأملي، وهكذا كلما لاحت لنا صعوبة في جانب لجأنا إلى جانب محاذ حباً بأنفسنا، وهذا امر طبيعي في الإنسان "أن يصنع الاختلاف أو بتعبير أكثر وضوحاً أن يكون مختلفاً" وهو حق لصيق به من ولادته ويستمر معه إلى آخر حياته، فحق التفكير والتعبير عن الاختلاف من الحقوق الأساسية المكفولة طبيعياً وإنسانيا، وهي حقيقة طبيعية كما وتؤكدها النصوص الدينية والتاريخية، لأن جمالية الحياة وعوامل ديمومتها تكمن في وجود تلك الثنائية، الليل والنهار والوجود واللا وجود الأسود والأبيض واختلاف الرأي والرأي الآخر واختلاف الوانكم والسنتم، وكل ذلك يعزز القول بالاختلاف لا التشابه والتماثل اللذان يضفيان الرتابة والملل على الواقع.