الحسين بن خليل
تبسطُ الأرضُ راحتَيها،
كأنّ الأقدامَ التي تتثاقلُ أدعيةٌ،
والأصواتُ تهربُ من حناجرها دونَ أن تهبَها حرّيّتَها .
هكذا نُشيَّعُ كأنّنا ثوّارٌ لم يوحَ لنصرِهم أن يبيتوا في صومعتِه،
فأقفلُ الأبوابَ وأرسلُهم حيثُ يغنّي الموتى.
هكذا يُبْتلَعُ الربحُ من سمائِنا التي فقدناها كبوصلةٍ للطائرين،
إلى أينَ تتّجهُ النوارسُ والأرواحُ؟، تهرعُ إلى السماواتِ رغماً عنها،
رغماً عن خطوطٍ رُسمَت عنوةً،
ونحنُ نموتُ،
لا أحدَ يهيّئُ لنا سرادقَ ويحشو فيها الزّينة،
فنحنُ نرغبُ بالأغاني قبلَ أن تنقذَنا الجنانُ حين نأفلُ لها.
أمشي كأنني انبعاثٌ من ثكلى،
أرتّلُ كأنّي مناجاةُ عاشقةٍ،
أستريحُ كأنّي جثةٌ اختارَت أن تتفسّخَ بعيداً عن الطّرق،
وأنتِ ل ابد من أن تستبيحي الليلَ من أجل الرّمادِ الذي ننشدُهُ، وإن لم تأذنْ لنا المآذنُ،
وإن لم ترتضِ أن تُذاعَ كالسّرّ المعتّقِ في صدرِ امرأةٍ
كالحرب التي تبدأ بجذوةٍ لا أحدَ يوليها اهتماماً،
ثمّ تحاصرُ كما يحدثُ الآنَ معَكِ
لكن بلا جدوى، فقد تببلّلَت فوهةُ البندقية بالهتافاتِ
وتبلّلْتِ أنتِ ببرادة الأصفادِ التي ألقي تعاويذَها عليكِ.
لا تقاومي كما المدن لأوّل وهلةٍ،
هيّئي الخبزَ للجياع،
والشفاهَ لحربٍ تصكُّ بأسنانها عليك .
أضراسُ الجياعِ ترتجفُ،
الحربُ لها هديرٌ بلا لونٍ حتّى تتعرّفَ عليه الصّمّاواتُ،
لذا لا بدَّ من دليل قبلَ أن نبلغَ كمينَ ليلتِنا هذه.
الربيعُ له أجنحةٌ
على غيرِ عادةِ الفراشاتِ وهنّ يقصدنَ الوردَ،
يطِرنَ حتّى دونَ أن تتهفهفَ نواياهُنّ،
دونَ أن يغرّدَ أحدٌ بحاجتِه،
إلا أنّني متيبّسٌ منذُ شتاءٍ،
وأنتِ كالبردِ لا تعرفُهُ الفراشاتُ حينَ يقصدنَ الرحيقَ
معَ الفجرِ تئنُّ الأضاحي،
معَ الفجرِ تكونُ الحكاياتُ في آخرِ النّفقِ،
معَ الفجرِ تكونُ المدنُ تلفظُ آخرَ أوجاعِها ثمّ تتهيّأ لأخرى،
معَ الفجرِ أنصبُ مصيدةً للقمصان التي تُغوي صدورَ الفتياتِ دونَ أن تفتضحَها،
دونَ أن ترخيَ لهنّ الحبالَ،
والفتنةُ كالوريقاتِ تهتزُّ، والكونُ باحةٌ متّقدة.