فوضى النقل العام تحوّل الشوارع إلى مرائب عشوائيَّة

ريبورتاج 2025/02/18
...

  بغداد: بتول الحسني وسرور العلي 

  تصوير: أحمد جبارة


تعاني شوارع بغداد من ازدحام خانق يزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، ليس فقط بسبب الكثافة المرورية، بل نتيجة الفوضى التي تفرضها وسائل النقل العام. تجزئة خطوط السير، والتوقف العشوائي عند التقاطعات، واحتلال الطرق من قبل مركبات "الكوستر" و"الكيا"، إضافة إلى الانتشار العشوائي للتك تك، جعلت من حركة السيارات معضلة يومية. الاختناقات المرورية لا تؤثر فقط في تنقل الأفراد، بل تمتد آثارها إلى تأخير وصول الموظفين، وتعطيل الحالات الطارئة، وزيادة الحوادث.

محمد عدنان، أحد سائقي الأجرة العاملين على خط (بغداد-الكوت)، يوضح أن العجلات غير النظامية التي تقف خارج مرأب النهضة باتت تستحوذ على الركاب بصورة عشوائية، ما يؤثر في عمل السائقين المرخصين، ويتسبب في مزيد من الفوضى المرورية. ومع غياب الرقابة الفعالة، يقول عدنان، أصبح الازدحام الناجم عن هذه العشوائية يشكل عبئًا على الجميع، سواء كانوا سائقين أو مواطنين.

يبرر سائقو التك تك وقوفهم العشوائي في الشوارع والتقاطعات المكتظة بضرورة تأمين لقمة العيش. غيث أحمد، أحد هؤلاء السائقين، يؤكد أن الحاجة الاقتصادية تدفعه إلى عدم الالتزام بتوجيهات المرور، حيث يقول: "أنا أعمل لأعيل أسرتي، وأحياناً لا يكون لدي خيار سوى الوقوف في الأماكن المزدحمة". هذه العشوائية، رغم أنها توفر دخلاً لسائقي التك تك، إلا أنها تسهم في تفاقم أزمة الزحام وتزيد من تعقيد المشهد المروري في العاصمة.

أما المواطن كريم فاضل، فيعبر عن تذمره من الفوضى المرورية الخانقة التي تعاني منها بغداد، ويطالب وزارة النقل بتحسين تنظيم وقوف السيارات وإنشاء مرائب جديدة خاصة بمركبات "الكوستر والكيا والتك تك" لتخفيف الزحام الذي بات العنوان الرئيس لجميع شوارع بغداد، مؤكداً: "أن الفوضى في الشوارع لا تطاق، ونحتاج إلى حلول سريعة وفعالة لتنظيم النقل العام".

هذه الشكاوى تعكس تحديات كبيرة تواجه بغداد، حيث تتفاقم مشكلة النقل العام بسبب نقص التنظيم والرقابة. ويتطلب الأمر جهوداً مكثفة من الجهات المعنية لتنظيم العمل في المرائب المخصصة من قبل وزارة النقل، وتوفير بدائل نقل منظمة، وفرض رقابة صارمة على السائقين الذين يعملون خارج الإطار القانوني، وذلك لاستعادة النظام في شوارع بغداد وتأمين وسائل نقل آمنة وسلسة للمواطنين.

في حديث خاص لـ"الصباح"، أكد اللواء عدي سمير مدير المرور العام، أن العمل المروري يعتمد بشكل أساسي على تنظيم حركة السير والمرور، مشيراً إلى أن الغرامات المرورية تُفرض على كل من يخالف القواعد ويعرقل السير المنتظم، موضحاً أن وقوف المركبات خارج المرائب المخصصة يشكل أحد الأسباب الرئيسة للزحام المروري والفوضى في شوارع العاصمة.

وأضاف اللواء سمير: "إذا كان المكان ممنوعاً للوقوف، فإنه حتماً سيتم تغريم تلك العجلات التي تقف خارج الأماكن المخصصة لها، لا سيما أنها تسبب زحاماً مرورياً وتعيق حركة السير". وأكد أن الجهود مستمرة لفرض النظام والانضباط في الشوارع، من خلال تطبيق القوانين المرورية بشكل صارم.

من جهتها أكدت وزارة النقل أن عشوائية النقل في بغداد والمحافظات أسهمت في تأخر تطبيق مشروع النقل العام في البلاد، بينما أعلنت عن اعتماد آلية جديدة لمحاسبة أصحاب المركبات المخالفة التي تقوم بتحميل المواطنين من خارج المرائب النظامية ومفترقات الطرق والقطوعات.

وقال مدير الشركة العامة لإدارة النقل الخاص أحمد كريم الموسوي لـ"الصباح" إنه منذ العام الماضي تنفذ الوزارة حملات شبه أسبوعية للقضاء على الساحات العشوائية أمام المرائب الرسمية، وفي مقدمتها مرأبا النهضة والعلاوي في بغداد ومحاسبة سائقي مركبات الأجرة الذين يعملون خارج السياق القانوني، إلى جانب المرائب في بقية المحافظات، إذ تم تعزيز اللجان المركزية للحد من الظواهر السلبية التي تعيق تطبيق مشروع النقل العام في البلاد، وتحديد ممنهج للحد منها بهدف ضمان حق السائقين داخل المرائب العامة، والارتقاء بواقع النقل الخاص وإعادة تنظيم عمليات تأمين نقل المواطنين بشكل حضاري داخل المرائب، لافتاً إلى أن هناك تعاوناً مع دوائر المرور والقوات الأمنية لمنع النقل العشوائي لغرض القضاء على هذه الظاهرة وتحسين مستوى أداء الخدمة لسائقي المركبات الخاصة.

الموسوي بين أن الوزارة تمتلك أكثر من (200) مرأب في بغداد والمحافظات ومن ضمنها مرائب دولية تم تجهيزها ببوابات الكترونية حديثة، إلا أن عمليات النقل العشوائي ووقوف المركبات خارج المرائب المخصصة لنقل الركاب، ألحقت ضرراً كبيراً بالسائقين الملتزمين بالعمل داخل تلك المرائب.

كما أشار الموسوي إلى أن هناك حملات لإعمار المرائب في المحافظات، وفي مقدمتها مرأب الشرقاط في محافظة صلاح الدين، والفلوجة في محافظة الأنبار والنصر في محافظة ذي قار، فضلاً عن مرأب السماوة الموحد في محافظة المثنى.