ماذا وراء خطة ترامب لغزة؟

ديفد سمث
ترجمة: أنيس الصفار
في تصريح صادم، حتى بمعايير رئاسته التي خرقت كل الأعراف، تعهّد الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بأنَّ الولايات المتحدة "سوف تتولى" شؤون قطاع غزة التي دمرتها الحرب و"تتملكها"، الأمر الذي يعني تأييده الفعلي لأعمال التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.
ريفييرا الشرق الأوسط
ترامب، الذي سبق له أن هدد جزيرة غرينلاند وباناما واقترح أن تكون كندا الولاية الأميركية الحادية والخمسين، كان قد أضاف غزة الى أجندته التوسعيَّة مدعياً أنّها يمكن ان تصبح "ريفييرا الشرق الأوسط"، رافضاً استبعاد فكرة ارسال قوات أميركية لتحقيق ذلك.
قال الرئيس متحدثاً عبر مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتانياهو" في البيت الأبيض قبل اسابيع: "إن السبب الوحيد الذي يجعل الفلسطينيين راغبين بالعودة الى غزة هو أنهم لا يملكون بديلاً لها، في حين أنّها حالياً عبارة عن موقع هدم.. ذلك المكان ليس إلّا موقع هدم وكل بناء فيه قد تقوض".
ومن باب التعزيز لحجته بأنَّ الفلسطينيين يمكنهم العيش "بسلام ووئام" في مكان آخر غير قطاع غزة مضى الرئيس الأميركي قائلاً: "سوف تتولى الولايات المتحدة شؤون قطاع غزة وسنقوم نحن أيضاً بعملنا.. سوف نمتلكها ونكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة وغيرها من الأسلحة في المواقع التي تشكل خطراً.. وإذا ما تطلب الأمر سنفعل ذلك، سوف نأخذها ونطورها، وسنخلق الآلاف والآلاف من فرص العمل ونجعل منها شيئاً يفتخر به الشرق الأوسط كله".
ولم يمضِ وقت طويل حتى كتب وزير الخارجية الأميركي "ماركو روبيو" على موقع أكس: "الولايات المتحدة على أتم الاستعداد لتولي القيادة وجعل غزة جميلة من جديد. ما ننشده هو السلام الدائم في المنطقة للناس جميعاً".
جاء هذا الإعلان عقب اقتراح مفاجئ من دونالد ترامب، وهو رجل أعمال متخصص أصلاً بتطوير العقارات، في وقت سابق من ذلك الإعلان بإعادة توطين مليوني فلسطيني من أهل غزة في دول مجاورة بشكل دائم.
بعد ذلك دعا الرئيس الأميركي الأردن ومصر ودولاً عربيَّة أخرى لاستقبال الفلسطينيين من غزة قائلاً إنّهم "ليس أمامهم خيار سوى التخلي عن هذا الشريط الساحلي الذي يجب أن يعاد بناؤه بعد حرب مدمّرة بين اسرائيل ومقاتلي حركة حماس استمرت لما يقارب 16 شهراً".
قال ترامب إنّه يؤيد إعادة توطين الفلسطينيين "بشكل دائم"، متخطياً بذلك اقتراحاته القديمة التي سبق أن رفضها القادة العرب بشكل قاطع. بيد أنّه لم يقدم أيَّة تفاصيل محددة بشأن الكيفيَّة التي ستتم بها إعادة التوطين. اقتراحه هذا كان يمثل صدى لرغبات اليمين الاسرائيلي المتطرّف ومنافياً لالتزام الرئيس السابق "جو بايدن" الرافض لعملية التهجير الجماعي للفلسطينيين.
"كل ما تمليه الضرورة ممكن"
خلال المؤتمر الصحفي، الذي شهد احتشاد مئات الصحفيين والمراسلين في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض، سُئل الرئيس إن كانت الخطة ستتضمن مشاركة قوات عسكرية أميركية، فردَّ قائلاً: "في ما يتعلق بغزة سوف نفعل كل ما تمليه الضرورة، وإذا ما وجدت ذلك ضرورياً سوف أفعله".
عند سؤاله عن الكيفية والصلاحية اللتين ستمكنان الولايات المتحدة من الاستيلاء على أرض غزة واحتلالها على الأمد البعيد ردَّ بجواب غير مباشر قائلاً: "أنا أرى بالفعل حالة ملكية بعيدة الأمد كما أرى ان ذلك سيجلب استقراراً عظيماً لهذا الجزء من الشرق الأوسط وربما للشرق الأوسط بأكمله". ثمّ مضى مدعياً أن جميع الذين تحدث معهم من زعماء المنطقة قد أيدوا الفكرة. قال: "كل من تحدثت معه أبدى انجذابه لفكرة امتلاك الولايات المتحدة تلك الرقعة من الأرض".
أضاف ترامب، واصفاً وضع قطاع غزة بأنّه حفرة من حفر الجحيم ورمز للموت والدمار: "لقد عكفت على دراسة هذا الأمر عن كثب لأشهر عديدة". وقال إنّ الفلسطينيين هناك يجب أن يحصلوا على مأوى عبر مناطق مختلفة ودول أخرى، معبراً عن أمله بأن قادة مصر والأردن سوف "تتفتح قلوبهم" للفكرة مع مرور الزمن.
حين ألحّ عليه بالسؤال عمّن سيسكن غزة بعد اعادة تطويرها قال ترامب إنّها يمكن ان تصبح موطن "نخبة سكان العالم" واضاف: "لا أحاول أن أبدو ظريفاً او متحذلقاً لكنّها ستصبح ريفييرا الشرق الأوسط.. هذا الأمر يمكن ان يكون شيئاً عظيم القيمة.. شيئاً باهراً للغاية".
أما حليفه بنيامين نتانياهو، الذي أشاد بالرئيس الأميركي معتبراً إيّاه أعظم صديق حظيت به اسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق، فقد قال إنّ الفكرة جديرة بالاهتمام وأضاف أنها شيء يمكن أن يغيّر التاريخ، على حدِّ تعبيره.
قال نتانياهو إنّ ترامب قد خرج عن المألوف بأفكار جديدة وأثبت استعداده لخرق النمط التقليدي في التفكير".
التهجير القسري لسكان قطاع غزة قد يعدّ انتهاكاً للقانون الدولي وسوف يواجه بمعارضة شرسة، ليس عبر المنطقة فقط بل حتى من قبل حلفاء أميركا الغربيين. بعض المدافعين عن حقوق الإنسان شبهوا الفكرة بالتطهير العرقي.
ردود فعل من داخل أميركا والخارج
أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد ارتفعت أصوات منتقدة، وقالت عضو الكونغرس رشيدة طليب، وهي أميركية من اصل فلسطيني: "الفلسطينيون لن يرحلوا الى أي مكان، وهذا الرئيس ما كان بإمكانه التفوّه بمثل هذا الهراء المفعم بالتعصّب لولا دعم الحزبين له داخل الكونغرس لدى تمويله الإبادة الجماعيَّة والتطهير العرقي. لقد آن الأوان لزملائي المنادين بحلِّ الدولتين أن ينطقوا".
أما "كرس فان هولن" العضو الديمقراطي ضمن مجلس الشيوخ عن ولاية مريلاند فقد علّق قائلا: "اقتراح دونالد ترامب بإخراج مليوني فلسطيني من قطاع غزة والاستحواذ عليها بالقوة، إذا دعت الضرورة، هو ببساطة عملية تطهير عرقي بتسمية مختلفة. كما أن هذا الإعلان سوف يمدّ إيران وغيرها من الخصوم بالذخيرة وفي الوقت نفسه سيقوّض جهود شركائنا العرب في المنطقة. إنّه يتحدى عقوداً من الدعم الأميركي الحزبي لحل الدولتين، لذا يجب على الكونغرس الوقوف بوجه هذا المخطط الخطير المتهور".
من جهته، قال "مجلس العلاقات الاسلامية الأميركية"، وهو مجموعة اسلامية استشارية عبر بيان له: "إنّ قطاع غزة ملك للشعب الفلسطيني لا للولايات المتحدة، ودعوة الرئيس ترامب لطرد الفلسطينيين من أرضهم مرفوضة. وإذا ما طرد الشعب الفلسطيني قسراً بأي صورة من الصور من غزة فإنّها جريمة ضد الإنسانية ستطلق شرارة صراع أوسع نطاقاً وتدق المسمار الأخير في نعش القانون الدولي، وتدمّر كل ما تبقى من صورة أمتنا ومكانتها دولياً".
أما "بول أوبراين" المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولي في الولايات المتحدة: فقد أضاف بأن "إبعاد جميع الفلسطينيين الى خارج غزة يرقى الى مستوى تدميرهم كشعب. فقطاع غزة هي وطنهم، وموت غزة ودمارها كان نتيجة اقدام الحكومة الاسرائيلية على قتل المدنيين الذين قدرت أعدادهم بالآلاف، وكان ذلك في اغلب الأحيان باستعمال قنابل أميركية".
المملكة العربية السعودية أكدت رفضها هي الأخرى لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم وقالت إنها لن تقيم علاقات مع اسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينيَّة. وقال المبعوث الفلسطيني لدى الأمم المتحدة ان على زعماء العالم وشعوبه احترام رغبة الفلسطينيين بالبقاء في قطاع غزة.
كذلك أدانت حركة حماس دعوات دونالد ترامب لفلسطينيي قطاع غزة بمغادرتها ووصفتها بأنّها طرد لهم من أرضهم.
عن صحيفة الغارديان البريطانية