بغداد: سرور العلي
تصوير: أحمد جبارة
المتحف البغدادي هو أحد قصص ألف ليلة وليلة، تم بناؤه من أجل أن يكون بيتاً للوالي العثماني مدحت باشا في عام 1869، وفي حكومة 1968 قرر امين بغداد الاسبق مدحت الحاج سري بعد زيارته طهران، إقامة متحف مشابه للمتحف الايراني، ويختص بالتقاليد والأزياء العراقية، والحاجات والمهن والحرف، لذلك قام بتشكيل لجنتين، الأولى للبحث عن مكان، وكان بيت الوالي العثماني مدحت باشا، واللجنة الثانية لاختيار وتوثيق أهم المشاهد والعادات والمهن والتقاليد البغدادية.
مدير المتحف البغدادي، باسم العنزي، أوضح في حديثه لـ"الصباح" أن المتحف، الذي افتتح عام 1971 في بيت الوالي العثماني مدحت باشا، يُعد أحد المعالم التراثية الكبرى في العراق. وأضاف أن المبنى ذاته يحمل قيمة تاريخية كبيرة، إذ يضم مقتنيات ثمينة تعكس تنوع وتاريخ البلد، مشيرا إلى أن المتحف يعد وجهة أساسية للسفراء الأجانب في العراق، حيث يستقطب جميع السفارات الأجنبية.
وأضاف "المتحف نجح في توسيع نطاق زواره عبر تعزيز التواصل مع شركات السفر والسياحة، إضافة إلى التعاون مع إقليم كردستان العراق لتنظيم زيارات عكسية من الإقليم إلى بغداد". كما أشار إلى التنسيق المثمر مع وزارتي التربية والتعليم العالي، ما جعل المتحف وجهة تعليمية للآلاف من الطلاب من جامعات ومدارس، بما في ذلك رياض الأطفال.
وأضاف العنزي أن المتحف يقدم للزوار تجربة فريدة، حيث يعرض التراث العراقي الأصيل والمهن والحرف التقليدية، التي تروي قصة تاريخ الأجداد والأجيال السابقة. وأوضح قائلاً: "المتحف هو ذاكرة الأجيال، وهو المعني بإعادة وتنشيط الذاكرة العراقية. رغم أن المعروضات هي في الحقيقة مجموعة من الدمى، إلا أنها تحمل قيمة تاريخية لا تنضب لدى العراقيين والسائحين على حد سواء."
وأفاد العنزي بأن المتحف قام بتحويل مشاهد المعروضات من تماثيل جبسية ثابتة إلى مشاهد متحركة وحية تجذب الزوار، ما يعزز التجربة التفاعلية ويجعلها أكثر إثارة وواقعية.
العنزي أشار ايضا إلى أن المتحف أصبح أحد عوامل الجذب السياحي الرئيسة في بغداد، حيث تم العمل على تطبيق القوانين السياحية العلمية والترويجية لجذب أكبر عدد من الزوار من داخل العراق وخارجه. وأوضح أن المتحف يستقطب سياحًا من دول عدة، مثل الصين واليابان وأوروبا وأميركا، ما يسهم في تعزيز مكانته كمركز ثقافي عالمي.
كما أضاف أن الزيارات للمتحف شهدت نشاطاً ملحوظاً مؤخراً بمناسبة اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لهذا العام، ما أسهم في تسليط الضوء على التراث العراقي العريق وجذب المزيد من الزوار المهتمين بالتعرف على تاريخ وحضارة بغداد.
في حديثه عن أبرز مقتنيات المتحف البغدادي، أكد مدير المتحف باسم العنزي أن المتحف يضم العديد من القطع التراثية القيمة، التي تمثل تاريخ العراق العريق. من بين هذه المقتنيات توجد صور نادرة للعائلة المالكة التي ساهمت في تأسيس العراق، إلى جانب مقتنيات أثرية متنوعة من سيارات ملكية تمثل فترة الملك فيصل الأول، وأواني "الفرفوري"، فضلاً عن مشاهد تعكس الحياة اليومية مثل محال الحلاقة والبقالة والمعجنات وغيرها من الحرف والمهن البغدادية التقليدية.
وأشار إلى أن المتحف ليس مجرد مكان لعرض المقتنيات التاريخية، بل هو جسر يربط بين الماضي والحاضر، ويعكس تطور المجتمع العراقي، ويدعم الحفاظ على الأزياء واللهجة العراقية في ظل العولمة. كما أصبح المتحف مكانًا مميزًا للفعاليات الثقافية، حيث يتم تنظيم أمسيات غنائية تراثية في مسرح المتحف، تشمل أغاني السبعينيات والمقام العراقي، ما يسهم في الحفاظ على الفنون العراقية الأصيلة.
وأضاف العنزي أن المتحف البغدادي يواصل دوره في تعزيز الثقافة والتراث، حيث يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العراق، بل ومن المغتربين العراقيين، للاستمتاع بالفعاليات الثقافية والموسيقى العراقية التقليدية. كما يشهد المتحف فعاليات وورش عمل تتعلق بالأزياء التراثية البغدادية، مثل رابطة الأفندي والخاتون، التي تركز على الأزياء العراقية القديمة.
من جهته، اعتبر بسام أحمد، أحد زوار المتحف، أن المكان يمثل رحلة عبر الزمن، حيث يعود به إلى ماضي الآباء والأجداد، مشيدًا بقيمته التاريخية والثقافية. أما سارة ليث، فقد شددت على أهمية الحفاظ على هذه المواقع التراثية، خصوصًا بعد اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لهذا العام، مؤكدة أن المتحف يلعب دورًا محوريًا في تعريف الأجيال القادمة بتاريخهم وحضارتهم.