من يُنْصِفُ رجــالَ المـرور؟

ريبورتاج 2025/02/25
...

   ذو الفقار يوسف


في خضم زحمة الشوارع وصخب الحياة اليوميَّة، يقف رجال المرور كجنودٍ مجهولين في الصفوف الأماميَّة، يسهرون على أمن الطرق وسلامة المواطنين، يجسدون قيم الإيثار والتضحية في كل موقفٍ وتحد يواجهونه. بين لهيب الشمس وبرودة الشتاء، وفي قلب الازدحامات الخانقة، يؤدي شرطي المرور مهامه بصبرٍ وتفانٍ، رغم ما يتعرض له من انتقادات، إساءات لفظيَّة، وأحيانًا عنفٍ جسدي، ناهيك عن الاتهامات التي تلصق بهم ظلماً كالرشوة أو التعسف في تحرير المخالفات.

لكن خلف هذه الصورة النمطيَّة، تكمن حكايات رجال نذروا أنفسهم لخدمة المجتمع، مدفوعين بواجبهم الوطني وأخلاقيات المهنة، مدركين أن تنظيم حركة السير ليس مجرد وظيفة، بل مسؤوليَّة تحمي الأرواح وتخفف معاناة الناس على الطرقات. في هذا التحقيق الصحفي، نسلطُ الضوء على الجهود الجبارة التي يبذلها رجال المرور يوميًا، ونكشف الوجه الآخر لهذه المهنة التي لا تقدر قيمتها إلا عندما نرى آثارها في انسيابيَّة الطرق وسلامة العابرين.

قوانين ومخالفون

وبحسب اللواء المتقاعد عمار وليد الخياط، فإنَّ "مديريَّة المرور العامَّة هي أكثر مؤسسة أمنيَّة اختلاطاً مع المواطن العراقي سواء في دوائر المراجعة أو في الشارع"، مضيفاً، أنَّ "نظرة المواطن سيئة لرجل المرور في أي مكان، إذ يكون هناك تحسّسٌ بين الشخص المسؤول عن تطبيق القانون والمواطن بشكلٍ عام، ولكوننا مجتمعاً ثقافته شرقيَّة ما زال المواطن يشعر بأنَّ رجل المرور هو المتسلط وهو القاضي والجلاد، لكنْ في منظارٍ آخر فإنَّ من يخالف يتلقى العقوبة، وهذا الأمر بديهيٌّ، لذلك نرى أنَّ البعض من المواطنين يتلقون الغرامة بشكلٍ حضاري".


حلولٌ ولكنْ

ويؤكد الخياط في حديث خصَّ به (الصباح): "إذا أردنا أنْ نصلَ الى مرحلة أنْ يُحبَّ المواطن رجلَ المرور فهناك وسيلة ستحقق النتيجة لكنْ قد يكون تطبيقها صعباً، وهذه الوسيلة لا تخصّ رجال المرور فقط بل جميع الأجهزة الأمنيَّة والإداريَّة، وهو عندما يشعر المواطن أنَّ هذا العنصر يقومُ بخدمته كونه موظفاً بخدمة عامَّة فأكيد سيكون هناك احترامٌ من قبله، لكنْ كيف نصل الى أنَّ رجل المرور هو مطبقٌ للقانون أولاً، إذ إنَّ بتغريمه للمواطن لا يعني بأنَّه قد أهانه، بل إنَّه يطبق القانون فقط، وبإمكان المواطن إذا ما تمَّ الاعتداء عليه بأي طريقة من قبل رجل المرور أنْ يقول له إنَّك رجل قانون لكنْ يجب أنْ تقدمَ لي الاحترام كشخصٍ مكلفٍ بخدمة عامَّة للمواطنين، وعندما لا يتقبله المواطن فذلك بسبب شعوره وتجاربه مع بعض المسيئين من رجال المرور ممن يسيء الى جهازٍ كامل"، مشيراً الى أنَّ "رجل المرور هو الآخر يجب أنْ ينظرَ للمواطن بأنَّه إذا عامله بشكلٍ جيدٍ فإنَّه سوف يتلقى الاحترام، وهذه المعادلة تحتاج الى توعية وتثقيف".

يكمل الخياط بأنَّ "جميع المنتسبين أو المفوضين أو الضباط في المرور العامَّة يدخلون دوراتٍ تخصُّ التعامل مع المواطن والعلامات والإشارات وقواعد السير والحوادث، وهذه جميعها لتثقيف رجال المرور على التعامل مع المواطن".

مخالفة مسؤول وكبرياء مرور

ويستدرك اللواء المتقاعد حديثه لـ(الصباح)، في ما يخصُّ معاناة رجل المرور في الطرقات، إذ إنَّ هناك ظاهرة لم تنته الى الآن وهي تجاوزات ومخالفات من قبل بعض المسؤولين، إذ ينوه إلى إنَّ "كاميرات المراقبة مهمَّة جداً ويجب وضعها في جميع طرقات العراق لرصد المخالفات المتنوعة، إذ إنَّ هكذا مخالفات تتبع المسؤول نفسه، فالسيطرة على الحماية والالتزام بقوانين المرور تتبع أخلاق المكلفين بحماية هذا المسؤول، وأي تصرفٍ يتمُّ التعبير عن ثقافة هذه العناصر وثقافة الدولة، وإذ ما قام بهذا التصرف فإنَّه سيطعن بسمعة الدولة"، موضحاً أنَّ "الدولة كيف تطبق القانون إذا كان المسؤول عن تطبيق القانون يقوم بمخالفته، لذلك فإنَّ كاميرات المراقبة ساعدت في ضبط هذه الظاهرة وتقليصها".


ما لا نبالي به

الباحثة الاجتماعيَّة الدكتورة ريا قحطان أحمد فهي بدورها وضعت نصب أعيننا ما لا تراه، مؤكدة أنَّ الكثير من الناس لا يبالون بمعاناة شرطي المرور فهو يقف في حر الصيف، وبرد الشتاء لساعاتٍ متواصلة معرضاً نفسه لدخان السيارات من أجل خدمة المواطن وتنظيم حركة السير.

وتؤكد أحمد في حديثها لـ (الصباح)، أنَّ "الكثير من الدراسات العلميَّة أثبتت أنَّ تعرض رجال المرور لدخان عوادم السيارات المستمر يؤدي بهم للإصابة بأمراضٍ عدة في الرئتين، ومنها أمراضٌ قد تمنعهم من الإنجاب مستقبلاً لتعرضهم للغازات الناجمة من احتراق الوقود في محرك السيارات".

وتنصح الباحثة الاجتماعيَّة بهذا الخصوص بعمل فواصل إعلانيَّة في قنوات شبكة الإعلام العراقي حول جهود شرطي المرور وهو يقدم للجمهور صورة إيجابيَّة عنه. 


تشجيع السلوكيات الإيجابيَّة

وبينت أحمد أنَّ "بعض الحوادث الفرديَّة هنا وهناك من بعض المسيئين لا تعني تعميمها على كل رجال المرور في الشارع"، منوهة الى أنَّ "تقديم مواقف أو مشاهد إيجابيَّة عفويَّة وليست مصطنعة مبالغٌ فيها لشرطي المرور بصيغة فواصل بين البرامج تعزز من صورة شرطي المرور وتظهر ما يفعله عبر مشاهدة قصيرة لشرطي المرور وهو ينظم السير في الأمطار لا سيما عندما تغرق الشوارع بسبب الأمطار، أو عند بقائه واقفاً لساعاتٍ طويلة تحت شمس الصيف الحارقة، أو تقديمه المساعدة لكبار السن وطلبة المدارس أو المرضى في عبور الشارع، حتماً سيغير ذلك ويعزز صورة شرطي المرور بعين المواطن العراقي، لكنْ يجب أنْ يكون ذلك من دون مبالغة ولا تضخيم ولا تكلف، بل يجب أنْ تكون المشاهد عفويَّة وحقيقيَّة".

تواصل الدكتورة ريا حديثها وتوضح، بأنَّ "تكريم وزير الداخليَّة لرجال المرور من الذين قاموا بعملٍ إنساني في الشارع ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيساعد في تشجيع السلوكيات الإيجابيَّة لرجال المرور أولاً، وتعزيز الجانب الإنساني الآخر لشرطي المرور لدى المواطن".


نقاطٌ مظلمة وأخرى مضيئة

وبينما يحاول العنصر المروري سلوك مسيرة المهام المناطة إليه على أكمل وجه، فيرتدي بدلته ويمسك صفارته ويقبع في تقاطعات الشوارع ليخدم المواطن بكل إخلاصٍ وتفانٍ، لكنَّ هناك من يقابله ليشوه ذلك المسير المقدس، فيحرمه من هذه اللذة، فيشوه صورته، ويلوث وصفه الذي عرفناه منذ طفولتنا، فالمواطن "تحسين الشمري" هو الآخر كان شاهداً على هذا التغيير، إذ يقول إنَّ "هناك عناصر في شرطة المرور تلوث سمعة هذا الجهاز المهم بحكم قربه من المواطن واحتكاكه به، فيتصيد تحت مظلة القانون ليحمل المواطن عبئاً كبيراً، ويسرق من جيبه بحجة المخالفة"، مبيناً، انه تعرض لعدة مواقف، حيث أوقفه أحد رجال المرور وبعد أنْ طلب أوراقه الثبوتيَّة وأوراق العجلة قال له أركن قرب الرصيف بطريقة غير مهذبة، وبعد أنْ فعل ذلك صار يغدقه بالكثير من الأسئلة، هل لديك علامة إنذاريَّة؟، مطفأة حريق؟، لماذا لوحات عجلتك ملوثة والعديد من الأسئلة كأنَّه يحاول أنْ يبين له بأنَّه مخطئ بأمرٍ ما، بالرغم من التزامه بكل القوانين المروريَّة.


وصل غرامة مجاني

يكمل الشمري حديثه لـ(الصباح)، ويبين، "بعد أنْ نفدت الأسئلة حاولتُ إعلامه بأنَّني تأخرت على وظيفتي، وسأعاقب بسبب هذا التأخير وسيتم قطع مرتبي فما المشكلة حضرة الشرطي، فأجابني بطريقة حادة واستهزاء (لا تستعجل على رزقك)، فأجبته بأنَّه لا يجب أنْ تتحدث معي بهذه الطريقة، إذا كنت مخالفاً فخالفني وإلا فاتركني اذهب لعملي، فتمسك بأوراقي وقال لي (تريدهن روح اخذهن من القاطع المروري)، فحاولت أنْ أستميله فقلت له أخي العزيز ما الذي فعلته وأنا متأسف قل لي ما الذي فعلته واقطع لي وصل غرامة لأذهب فقال لي (أنت تركن في مكانٍ ممنوعٍ الوقوف فيه)، وعندما واجهته بأنَّه هو من جعلني أركن في هذا المكان، أجابني (خلي عشرة آلاف بدفتر الوصولات واخذ اوراقك)!.".


انطباع سيئ

ويؤكد الشمري، أنَّ "هذا الموقف قد جعلني أأخذ انطباعاً سيئاً عن عناصر المرور فصرت أخاف من مواجهتهم وأتجنبهم قدر استطاعتي، وبالرغم من هذه المعاناة التي يعانيها المواطن العراقي في الشارع، إلا أنَّه تبقى هناك عناصر حقيقيَّة تخدم المواطن على أكمل وجه فيساعدونه بأمورٍ إنسانيَّة ليست من ضمن واجباتهم، لذلك يجب أنْ تكون هناك حملاتٌ تثقيفيَّة وتوعوية لما يفعله هؤلاء العناصر، فضلاً عن وضع تحذيرات للتعامل مع المسيئين من عناصر المرور واللجوء الى الشكوى او القضاء لمنعهم من ارتكاب هذه الممارسات مرة اخرى ليكون عراقنا خالياً من الفساد والمفسدين".