«بارلي» أغربُ حدودٍ دوليَّة

منصة 2025/02/25
...

 هولندا : آمنة عبد النبي


تخيل أن تجلس زوجتك في المطبخ الذي يقع ضمن حيّز بلجيكا لإعداد وجبة الغداء، ثم تتجه بها لصالة الطعام الواقعة على الطرف الهولندي حيث تجلس بانتظارها، والأغرب أن أحد أطفالك ولد داخل البيت وخضع بكل وديّة لقوانين وهويّة بلجيكية تختلف عن الذي قد صادفت ولادته في أحد مستشفيات الجزء الهولندي!

هذا هو شكل الحياة في بلدة «بارلي» الهولندية البلجيكيّة التي يزورها السيّاح من كل مكان لاكتشاف لغزّ التفاصيل اليومية المتآلفة على ارضٍ يقتسمها شعبان دون أي تشنج، تجمعهما شراكة لغويّة مقسومة ما بين الفرنسية والبلجيكية، وتخلو الحياة تماماً من وجود مشكلات تجارية أو اجتماعية أو حتى اختلاف في العملة النقدية، بل الأدهى من ذلك تجد حتى المناهج التعليمية لا يشوبها أي تعنصر قومي، فالمدارس تصطف مع بعضها البعض لتدريس اللغة الهولندية وأخرى لبلجيكا تدرس اللغة الفرنسية.

يقول الرحالة العراقي الذي زارها لأكثر من مرة المهندس علاء الأسدي: بالنسبة إلى التآخي في قرية بارلي، فليس له حدود مرسومة أو لغة عنيدة أو حتى حيّز مؤطر وإنما الوضع الحدودي الملتبس في تلك البلدة التي تجمع بين أحضانها أغرب حدود دولية، ولم يتوقف الأمر على الطرق والأحياء، وإنما يعيش بعض سكانها في منازل تقع بين سيادة الجارتين، الإشكال في هذا التداخل يعود لتداعيات العصور الاقطاعيّة الوسطى باعتبار أن القرية جغرافياً هي هولندية الهويّة، غير أن من ضمنها اثنين وعشرين»جيباً» بلجيكياً محاطة بالكامل بالأراضي الهولندية، وتوجد بداخل بعض الأراضي البلجيكية أراض صغيرة تتبع السيادة الهولندية، في المقابل توجد ثماني أراض هولندية داخل الحدود البلجيكية.

أما الكاتب الصحافي راجي الزهيري فعبر عن وجهة نظره بهذا التعايش الذي تعود جذوره للتاريخ، قائلاً: «بعد الحرب العالمية الثانية التي خلفت خسائر مادية وبشرية هائلة في أوروبا، أيقنت الشعوب الأوروبية أن الحل الوحيد يكمن في السلام ولا غيره؛ لأنه الباب الوحيد للرقي والتطور ونبذ الخلافات، لذلك اتجهت هذه الشعوب إلى اتفاقيات سلام وأصبح كل مواطن أوروبي أخاً للآخر بلا حزبية ولا مناطقية، بدليل أن أحد بيوتها، بيت له رقمان، رقم هولندي ورقم بلجيكي وجرسان اثنان، الأول لمن يأتي من بلجيكا والجرس الآخر لمن يأتي من هولندا، كما أن الخدمات في هذا البيت عجيبة فالماء والغاز من هولندا وتقوم هولندا بتحصيلهما، والإنترنت والكهرباء من بلجيكا.