بغداد: ذو الفقار يوسف
مع كلِّ نسمةٍ باردةٍ تخترق العظام، هناك رجلٌ يقف صامداً عند تقاطع الطرق، لا تهمُّه برودة الطقس التي توخز جلده ولا الرياح التي تلسع وجهه. بيدٍ مرتجفةٍ وصافرةٍ بين شفتيه المتجمدّتين، يُنظم حركة السير، محاولاً أنْ يُخفّف عن الآخرين معاناة الازدحام. تمرّ السيارات أمامه بسرعة، يُطلق بعض السائقين أبواقهم غاضبين، وآخرون يرمقونه بنظرات ضيقٍ وكأنّه سبب تأخّرهم. ومع ذلك، يظلّ واقفاً بشموخ، يحمل فوق كتفيه مسؤوليَّة سلامة الجميع.
"مديريَّة المرور العامَّة أكثر المؤسَّسات احتكاكاً بالمواطن"، بهذه الكلمات وصف اللواء المتقاعد عمار وليد الخياط العلاقة المعقدة بين رجل المرور والمواطن. ويُضيف في حديثه لـ"الصباح": أنَّ "هناك منْ يرى الشرطيَّ متسلّطاً، لكنَّ الحقيقة أنَّ تطبيق القانون لا يعني الإهانة. على المواطن أنْ يُدرك أنَّ الغرامة ليستْ عقوبةً شخصيَّةً، بل هي وسيلةٌ لضبط النظام".
ورغم محاولات التوعية، لا تزال ثقافة التعامل المتبادل بحاجةٍ إلى ترسيخ. الخيّاط يرى أنَّ الاحترام المتبادل هو الطريق لبناء الثقة "حين يشعر المواطن أنَّ رجل المرور في خدمته، يتبدّل موقفه فوراً".
وتُحذّر الباحثة الاجتماعيَّة د. ريا قحطان أحمد من المخاطر التي تُحيط برجال المرور يوميّاً، إذ يتعرَّضون لدخان عوادم السيارات والظروف المناخيَّة القاسية لساعاتٍ طويلة. وقالتْ: إنَّ "هذه المهنة ليستْ سهلةً كما يظنّ البعض.