التهديدات الصاروخية.. تحديات جديدة لأمن الولايات المتحدة

بانوراما 2025/02/26
...

 ريتشارد ويتز 

 ترجمة: أنيس الصفار 

     

باشرت إدارة ترامب الجديدة مهامها، وعما قريب سيتعين عليها إجراء مراجعة شاملة للتهديدات الصاروخية التي تتعرض لها الولايات المتحدة.

 فالتطورات التي تهدد منذ زمن طويل بتقويض الأسس الثابتة لسياسة الدفاع الصاروخي في الولايات المتحدة ذات طبيعة جيوسياسية وتكنولوجية،

لأن الخصوم المحتملين، مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، ينشرون ملفاً مفعماً مستمراً بالتوسع من الصواريخ البالستية وصواريخ كروز والصواريخ الأسرع من الصوت تساندها أساطيل جرّارة من طائرات الاستطلاع والضرب المسيرة. هذه الدول توحد مواردها معاً في مجال الصواريخ، فإيران وكوريا الشمالية تقدمان لموسكو الصواريخ والطائرات المسيّرة كي تستخدمها نحو أوكرانيا، وبالمقابل تقدم روسيا المساعدة لهذين الشريكين لخدمة برامجهما الجوفضائية. في غضون ذلك تتقدم التكنولوجيا متخطية الخطوط الفاصلة بين الأنظمة الصاروخية الاقليمية والوطنية. 

بعض التغييرات المفيدة قد تحققت بالفعل، فالبنتاغون مقبل على نشر صاروخ اعتراضي من الجيل التالي قبل نهاية هذا العقد. الصاروخ الاعتراضي الجديد سيرفع فاعلية نظام الدفاع الأرضي "المتصدي للهدف في منتصف المسار" المكلف بحماية أميركا الشمالية من الصواريخ البالستية العابرة للقارات. كذلك أطلقت وكالة الدفاع الصاروخي قوة مهام تحولية جديدة واجبها تقييم الخيارات ثم إعادة توزيع المهام والمسؤوليات ودمج القدرات عبر المجالات المختلفة وتحديث التقنيات الرقمية بما يتماشى مع مستوى العصر وتحسين الاجراءات الداخلية للوكالة والارتقاء بالتعاون مع القوات العملياتية والشركاء الآخرين.

كان التقدم المتحقق لقدرات الدفاع الصاروخي الأميركي واضحاً في حروب أوكرانيا والشرق الأوسط، والولايات المتحدة تمتلك القدرة على تعزيز هذه التقنيات وصولاً إلى درع صاروخي أكثر شمولاً. بيد أن قيود الإنفاق وتنافس الأسبقيات قد تضعف تلك القدرات وبذا ترفع مستوى الخطورة.


تبعات التأخر 

هذا التأخر له انعكاساته بشكل خاص على الدفاعات الأميركية المضادة للصواريخ الأسرع من الصوت. فالجيشان الصيني والروسي نشطان منذ زمن ببناء أنواع عديدة من أنظمة الاطلاق التقليدية والنووية القادرة على الطيران أسرع من الصوت بعدة اضعاف، حيث يقدر أحدث تقرير لوزارة الدفاع الأميركية بشأن القدرات العسكرية الصينية أن بكين تمتلك الترسانة الصاروخية الأسرع من الصوت الأولى على مستوى العالم. أما روسيا فقد استخدمت عدة صواريخ من هذا النوع ضد أوكرانيا كان من بينها الصاروخ البالستي متوسط المدى الجديد "أوريشنك" خلال كانون الأول الماضي.

يدرك الزعماء الصينيون والروس أن الأسلحة الأسرع من الصوت تمنح بلديهم قدرات ستراتيجية وعملياتية جوهرية. فعلى الصعيد الستراتيجي تستطيع المركبات الانزلاقية بعيدة المدى التي تحلق بسرعات تفوق سرعة الصوت، وتتخذ اثناء تحليقها مسارات متغيرة يصعب توقعها عبر الطبقات العليا من الغلاف الجوي، بما يمكنها من مراوغة الدفاعات الصاروخية الوطنية الأميركية الحالية. اما على الصعيد الإقليمي فإن صواريخ كروز والبالستية الأسرع من الصوت تستطيع أن تدمر بسرعة أهدافاً عالية القيمة مثل مراكز القيادة الأميركية والقواعد العسكرية والقوات المنتشرة عبر مواقع متقدمة.

تحتاج الولايات المتحدة إلى خطة محكمة لتفادي وصد هذه التهديدات الخارقة لسرعة الصوت، وتعمل وزارة الدفاع الأميركية حالياً على تطوير تجمعات من أقمار الاستشعار الفضائية المخصصة لتعقب الصواريخ الأسرع من الصوت والبالستية مهمتها تأمين تغطية مستمرة للمركبات الخارقة لسرعة الصوت خلال طيرانها. يمضي البنتاغون أبعد من ذلك إلى تقييم نظام برامج مهمته الارتقاء برادار تشخيص بعيد المدى لا يزال قيد الانشاء مهمته تمييز الأهداف التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

إلا أن التقاط وتعقب الصواريخ الانزلاقية السريعة القادرة على المناورة في الطبقات العليا للغلاف الجوي ليسا إلا نصف المشكلة، فالولايات المتحدة تحتاج ايضاً إلى القدرة على اسقاطها. لذا حدد الكونغرس نهاية العقد الحالي كموعد نهائي للولايات المتحدة تطرح فيه إلى الميدان وسيلة أولية ذات قدرة على اعتراض الاجسام الأسرع من الصوت. على هذا الأساس يعمل البنتاغون على انشاء أول نظام معيّر لمهاجمة الأجسام الانزلاقية الأسرع من الصوت. رغم أن نظام "معترضات مرحلة الانزلاق" يمثل قدرة جديدة ومبتكرة فإنه يأتي معززاً للتقنيات التي اثبتت فعاليتها والتي استخدمتها البحرية في اسقاط مئات الصواريخ والطائرا ت المسيرة في الشرق الأوسط.


عقبة التمويل 

خلافاً لبرامج الولايات المتحدة الصاروخية الهجومية الأسرع من الصوت، التي أصيبت بانتكاسات تكنولوجية متكررة، كانت الجهود الدفاعية مرهونة بالانفاق أساساً وليس بالقيود التكنولوجية. فالبنتاغون يتقلص انفاقه عاماً بعد عام على الصواريخ الاعتراضية الأسرع من الصوت مقارنة بما ينفقه على طائرتين مقاتلتلين جديدتين من طراز "أف 35"، وقد أرغمت قيود التمويل البنتاغون على تقليص عقود الأبحاث والدفاع الخاصة بالصواريخ المنزلقة الأسرع من الصوت. كما تبرز مقترحات لتحويل التمويل المحدود صوب بناء صواريخ اعتراض طرفية، "غالقة للفجوات"، بقدرات محدودة لأجل توفير حماية ترقيعية مؤقتة لحين نشر نظام "معترضات مرحلة الانزلاق". ورغم ان صواريخ الاعتراض الطرفية، التي لا تؤمن الحماية إلا لقلة قليلة من المواقع الحساسة فقط، بوسعها المساهمة ببناء دفاع متعدد الطبقات فإن التمويل لأي من الانظمة الغالقة للفجوات يجب أن يأتي مكملاً لميزانية نظام "معترضات 

مرحلة الانزلاق" بدلاً من تفريقها، الأمر الذي سيؤمن الحماية لمساحة أوسع بكثير.

يتضمن برنامج "معترضات مرحلة الانزلاق" ايضاً كجزء من صميمه نظاماً داخلياً لتقاسم الاعباء، حيث خصصت الحكومة اليابانية مبلغ 368 مليون دولار لدعم تطويره من خلال اتفاقية التطوير التعاوني مع الولايات المتحدة من ضمن وسائل أخرى. على الرئيس والكونغرس دعم هذا التمويل المتقابل من أجل تطوير برنامج محكم من "معترضات مرحلة الانزلاق" واختباره ونشره.


عن مجلة "ذي ناشنال إنتريست" الأميركية