علي حسن الفواز
يواصل الكيان الصهيوني حربه بطريقة أخرى، أكثر مكرا وبشاعة، فيجعل من الدبلوماسية وسيلة لتضخيم الإجراءات الصهيونية، وبقصد فرض المزيد من سياسة العزل الإنساني والسياسي، وبما يجعل سياسة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وكأنها تواصل في ممارسة العقاب الأمني، وآخر سيناريو في هذه الحرب الملعونة يتبدى من خلال قيام حكومة "نتن ياهو" بفرض قيود قهرية على تنفيذ صفقة التبادل، وإبعاد الأسرى المحررين إلى خارج الأرض الفلسطينية، ومنع سفر أهاليهم للتواصل معهم، وعلى نحو يؤشر أهداف الكيان الصهيوني، بصناعة مناف جديدة للفلسطينيين، مع فرض إجراءات أمنية تمنع عودتهم، وبما يجعل هذه الممارسات القسرية، وكأنها جزء من سرديات حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول تفريغ قطاع غزة من أهله، لاسيما أن الكيان ينظر إلى الغزاويين بوصفهم معادين للكيان، ورافضين لسياسته الاستيطانية والعدوانية.
الحكم بالمؤبد وبالعزل في السجون الانفرادية عقاب "انثربولوجي" يقوم بفرضه الكيان الصهيوني على الأسرى، وباتجاه يقوم على تكريسه كفرضية للعزل، ولوضع مفهوم الهوية الفلسطينية في سياق تتعطل معه فاعليتها في التداول، وبالتالي فإن المحكوميين بالمؤبد وبالعزل ستزيد معاناتهم بسبب إخضاعهم إلى إجراءات النفي خارج أرضهم، ومنع عودتهم، فضلا عن رفض طلبات عوائلهم بالتواصل معهم.
هذه الإجراءات المتعسفة تدخل في سياق العقاب الجماعي، ولا تنفصل عن أحكام توصيف جرائم الابارثيد العنصرية، مثلما هي ممارسات لا أخلاقية تتنافى مع القيم والقوانين الحامية لحقوق الإنسان، والخاضعة لقرارات الأمم المتحدة ومواثيقها الحقوقية المعنية بقضايا الأسرى، التي تتطلب مواقف حاسمة، وإجراءات دولية وعربية تضع في حساباتها أن سياسات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، تنطلق من أطروحات متعسفة حول السجن والعقاب والمراقبة، وبالتالي تحويلها إلى مناف تتجاوز الجغرافيا إلى الهوية والوجود، وهذا ما يجعل حرب السجن والنفي والعزل من أكثر الحروب بشاعة، وتخريبا للاجتماع الإنساني، وأن إجراءات الكيان الصهيوني في هذا الاتجاه هي محاولات لها ستراتيجياتها القائمة على توسيع سياسات النفي والتهجير القسري، وتعريض الجغرافيا الوطنية والذاكرة الفلسطينية إلى ما يشبه سياسة المحو، لتبدو هي الأقرب إلى أهداف الإبادة التاريخية، وفرض الاستيطان كأمر واقع، على الأماكن المقدسة، وعلى المناطق الفلسطينية الأخرى، وهذا ما يُدخل إجراءات حكومة "نتن ياهو" في سياق تنفيذ سياسة القتل الجماعي للشعب الفلسطيني، وتحقيق الأهداف السياسية لخطة "براهما" من جانب، ولإحياء المشروع المثيولوجي للصهيونية العالمية من جانب
آخر.