جمعة الحلفي.. عمرٌ تلاشى بين الغربة والحنين

ثقافة شعبية 2025/02/27
...

 سعد صاحب 

 تصوير: نهاد العزاوي 


في شعر الحلفي الكثير من التأمل للأشياء، وكأنه يتأمل من نافذة الروح المفتوحة: الوطن بكل جراحاته العميقة، والأم والأب والإخوة والأصدقاء والجيران، وكل علامة دالة يعبرها في الطريق، من البنايات والمقاهي والجوامع والمدارس والصبايا والأضرحة والفراشات والأطفال والزهور.

ويحدق في العيون والشفاه والشعر والصدر المكتنز والملاءات وشراشف النوم، وكل تفصيلة دقيقة من جسد الحبيب الجميل، ويرصد البحر والمراكب والغرباء المتجهين إلى جهة بعيدة، ويشاهد الكون بعين شعرية فاحصة، تبصر ما وراء الأفق البعيد، ويدون ما يراه في أشعار صادقة، لا سيما ذكريات أيام زمان بحلوها ومرها، وما تحمل من الألم والسرور في آن واحد. (مسه الخير على بغداد / مسه الخير على شباچ بالبصره / على صحن الامام بكربله / ع الگبه والحضره). 

وحين يتناسى بعض الحوادث متقصداً، تتزاحم مجموعة من الوجوه والأسماء والملامح والمدن والشوارع، وتفرض نفسها قسراً على الذاكرة، وتكون لها الأولوية في الاستذكار، ولغيرها الحذف والنسيان وعدم الاهتمام واللامبالاة. (مسه الخير على گبر امي / الغريب المدري وين بيا ثره وتربه / مسه الخير على حزن اهلي 

الغميج / على العراقي وحيرته وصبره). 


صلاة 

الشعر يحمل النقيضين في توجهه الإنساني الشفيف، فهو من جانب صلاة دنيوية نافعة، تجعل الحياة أكثر حباً وعدلاً وجمالاً واستقامة، ومن جانب آخر يجيز كل ممنوع، ومحرم من قبل القانون والقبيلة والأعراف والسلطة، وربما أخطرها المحظورات والأجواء الظلامية القاتمة، وما يتخللها من سحر وشعوذة وعبث ومجون واغواء، واستدراج إلى الموت و الهاوية والتشويش والسوداوية والجنون والانقطاع. (حسنك يتلوه صلاتي ونومي حيره / مرايه اشوفن بيك عمري / مدري    أنته الچنت اشوفك / مدري هذياني اليرسمك / مرايه حزنك بيك لو بيه الالم / سيفي لو سيفك طعني وسال دمك ). 


اختلاف 

تنوع القصائد لا يعود إلى تعدد الأوزان والقوافي والأشكال والأبنية فقط، بل الأهم اختلاف المضامين وتفردها وعدم إعادة السائد إلى الواجهة، خصوصاً الأغراض التقليدية الخالية من اللمسة الفنية المعتبرة، ولا يخفى على المطلع والمتابع للنتاجات الشعرية بدقة وتمعن وتحليل، أن القليل من الكتابات خالصة لروح الشعر والجمال، والأغلبية تعبر عن نوازع نفسية وعرقية وحزبية ضيقة، لا تتعدى المصالح الشخصية الآنية، والتي لا نجني منها سوى الأضرار، ولا تجلب لنا غير الأحقاد والعداء والشرور والصراعات والقتال. ( يا بحر جاي اصلي بحضرتك / واعلگ الموجك شمع / جاي جايبلك من اهلي علامه / حفنة تراب ودمع / جاي وثيابي تگطر دم / گصه الحجاج بينه يا بحر / وانته عطاب ونبع ). 

رنين القوافي المختارة بذائقة موسيقية، مدربة على عشق الألحان السامية، لا يخلو من تأثير إيجابي في اذن السامع، ولا بد أن يشدك التطريب للإصغاء، ولكن لا معنى للكلمة المنعزلة في عالم سلبي متقاعس، دون ادخالها في جملة مفيدة، حيث تتشابك الأصوات والصور والرؤى والسلالم الموسيقية والأنغام، وينتج من كل هذا كتابة مبدعة، في قمة الأناقة والذوق والتهذيب والذكاء، طموحها الأول والأخير، تنمية الحس الإنساني عند الناس، بعد أن تراجع للوراء ذلك الشعور الرائع.  (تذكرين شلون من نزلن النجمات يمنه / چنه ملتفتين مدري الوين / من ذاك الطفل طير فراشاته بوجهنه / تذكرين شلون نزلت دمعه من عينچ / ونشفتهه الفراشه / وچانن النجمات مستحيات منه).