أوروبا وصدمة الانتخابات

قضايا عربية ودولية 2025/02/27
...

علي حسن الفواز


ما يجري في أوروبا من متغيرات سياسية، يعكس طبيعة التحوّل في أزماتها المثيرة للجدل، على مستوى نتائج الوقائع الانتخابية، أو على مستوى إعادة قراءة الملفات الأمنية، وعلاقتها بالصراعات الدولية والمصالح الجيوسياسية.

فما برز بعد الانتخابات المبكرة في ألمانيا، أكد كثيرا من هذه المعطيات، وكشف عن أن حصول حزب " البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على المرتبة الثانية فيها، سيضع الرهانات والتحالفات السياسية أمام تحديات معقدة، في سياق تشكلات المسار السياسي، وفي طبيعة الخيارات الستراتيجية، لاسيما في ما يتعلق بالقضايا الداخلية التي تخص أزمات التضخم والموقف من الهجرة، فضلا عن الموقف إزاء السياسة الأميركية الجديدة، وإزاء تعقيدات الصراع الأوكراني الروسي والصراع في الشرق الأوسط.

البحث عن واقعية سياسية في ألمانيا – الحليف الأكبر للولايات المتحدة - لن يكون سهلا، لأنه سيدفع إلى البحث عن تحالفات وتنازلات صعبة بين الأحزاب السياسية، مقابل رفض التحالف مع القوى اليمينية، ولعل ما جعل زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني فريدريش ميرتس- المرشح الأوفر حظا للاستشارية الألمانية- يدخل في إطار البحث عن تحالفات عقلانية بين الفرقاء السياسيين، بعيدا عما تمخض من نتائج انتخابية، ومن ضغوط قد تهدد التحالفات التقليدية، وضرورتها في حماية الاستقرار الداخلي، ومصالح الوحدة الأوروبية وأمنها الستراتيجي العسكري والاقتصادي.

إن مؤشرات الخارطة الانتخابية في ألمانيا، ليست بعيدة عما يجري في دول أوروبية أخرى، فصعود أحزاب اليمين يعكس طبيعة ما تواجهه أوروبا من مشكلات اقتصادية وسياسية، ومن صعوبات في إدارة كثير من الملفات التي تخص الأمن والهجرة والطاقة والمناخ، والعلاقة مع الولايات المتحدة، وسياسات الوحدة الأوروبية وحلف الأطلسي، فضلا عن التأثيرات اللوجستية بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يمكن أن تستثمره الأحزاب القومية اليمينية، بالدعوة إلى "أوربة الأوروبيين"، وإلى صياغة أخرى للعلاقة مع الآخر، ومع الثقافات المهاجرة، والإجراءات الخاصة باللجوء وبالوظائف.

لا شك، أن هذه المتغيرات ستُثير أسئلة جديدة حول العلاقة مع الولايات المتحدة، لاسيما بعد تصريحات الرئيس ترامب ونائبه في مؤتمر ميونخ للأمن، حيث كشفت عن حجم الخلافات إزاء قضايا الديمقراطية والأمن، وإزاء الموقف من دعم أوكرانيا، ورغبة الرئيس الأميركي ترامب في إجراء حوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول السلام في أوروبا، وحول الاستثمارات في أوكرانيا، وهو ما يضع علامات استفهام حول مستقبل تلك العلاقات، والتنسيق في السياسات التي تخص المصالح المشتركة في الدفاع والأسواق والاستثمارات.