مشروع لقبّة حديديَّة تغطي الولايات المتحدة

بانوراما 2025/03/03
...

 دبليو جي هينيغان

 ترجمة:  أنيس الصفار


كان من بين الأوامر التنفيذية الجديدة التي وقعها الرئيس ترامب لدى مباشرته اول أيام دورته الجديدة أمر يدعو إلى بناء درع دفاعي مماثل للقبّة الحديديَّة يغطي الولايات المتحدة.


                              

قد تبدو هذه فكرة حسنة لمن شاهد المقاطع المصورة عبر السنوات لصواريخ الاعتراض الإسرائيلية وهي تفجر الصواريخ والقذائف التي أطلقت عليها من جانب خصومها، لكن وفق المقاييس العملية نجد أن حجم إسرائيل لا يزيد على حجم ولاية نيوجرسي، كما أن الصواريخ التي تطلق عليها غالبا ما تكون قذائف بطيئة الحركة ومن الأنواع غير الموجهة التي تأتي من أماكن قريبة وليست مثل الصواريخ التي تطوف العالم ويخشاها المخططون العسكريون الأميركيون أشد الخشية.

إنها لعبة القط والفار، ولكن يمكن تبسيطها بالقول: إن بناء صواريخ وأنظمة هجومية يكون أرخص وأسرع وأسهل من تصميم درع معقد قادر على التصدي لها. فمن الصعوبة بمكان تطوير رادارات ومستشعرات وصواريخ اعتراضية وأنظمة مصاحبة ذات قدرة على اكتشاف وتتبع الصواريخ الطائرة والاشتباك معها. الأكثر تعقيداً من ذلك كله هو إصابة صاروخ بالستي منطلق بسرعة تتجاوز 22 ألف كيلومتراً للساعة، والمقولة التي تتردد كثيراً داخل الدوائر العسكرية عند الحديث عن اسقاط صاروخ بالستي عابر للقارات بصاروخ اعتراضي أنها "محاولة إصابة رصاصة برصاصة". 

انفقت الولايات المتحدة خلال العقود الأربعة الماضية ما يقارب 300 مليار دولار على بناء تشكيلة متنوعة من أنظمة الدفاع الصاروخي، وقد حقق الجيش نجاحاً ملحوظاً لتطوير أنظمة دفاع قصيرة ومتوسطة المدى بإمكانها الدفاع عن القوات في ميدان المعركة او وسط البحر. لكن فيما يتعلق بالدفاع عن أرض الوطن لا يزال يتحتم على الولايات المتحدة أن تطور شيئاً يمكن الاعتماد عليه. 

يرتكز برنامج أميركا الحالي الذي سجل رقماً قياسياً للتصدي للصواريخ البالستية العابرة للقارات، المعروف باسم نظام الدفاع الأرضي "المتصدي للهدف في منتصف المسار"، على 44 صاروخاً اعتراضياً بعيدة المدى مودعة داخل صوامع إطلاق خاصة بها في الاسكا وكاليفورنيا. هذا النظام مصمم لتفجير واسقاط حفنة من الصواريخ التي يمكن تطلقها جهة معادية لأميركا، مثل كوريا الشمالية. وتكشف الأرقام الحكومية الأخيرة أن النظام قد حقق عند اختباره نجاحاً يقارب 50 بالمئة.

اما الخصوم من أمثال روسيا أو الصين فهم قادرون بسهولة على قهر الدفاعات باطلاق مئات الصواريخ التي يستطيع كل منها نثر أهداف خادعة والقيام باجراءات مضادة تربك الدفاعات. لكن الأمر المؤكد هو أن الرؤوس الحربية ستتمكن من التسلل عبر أشد الدروع الموجودة اليوم قدرة وكفاءة. (روسيا تبني بكل صراحة جيلاً جديداً من الصواريخ والأنظمة الحاملة القادرة على حمل اسلحة نووية لاختراق الشبكة الأميركية العالمية للانذار المبكر والأنظمة الدفاعية).

لأجل انشاء قبّة حديديَّة فعليّة لأميركا ربما سيتعين على البنتاغون أن يملأ الفضاء بغطاء كامل من الأقمار الاصطناعية وأرض الوطن بالمستشعرات وبطاريات الصواريخ إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تشعر بالاطمئنان حقاً إلى قدرتها على صد مثل هذه الهجمات. يوجه الأمر التنفيذي البنتاغون بتقديم خطة تنفيذ هذا الدرع في غضون 60 يوماً، وهذه الخطة يجب أن تتضمن "صواريخ اعتراضية تنطلق من قواعد فضائية" إلى جانب ستراتيجية لتمويل البرنامج قبل اختتام ميزانية العام المقبل. وهذا قد يؤشر انطلاقة العهد الذهبي للجهات المتعاقدة. 

ترد بين ثنايا الأمر الذي وقعه ترامب اشارة إلى برنامج الرئيس "رونالد ريغن" للدفاع الصاروخي المتمركز في الفضاء، وهذا ينبئنا بشيء. فقد بقيت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب آنذاك تدخل إلى جيوب المقاولين والجهات المتعاقدة لأكثر من عقد من الزمن قبل أن تفرض الحقائق الفنيّة نفسها ويتم الغاء البرنامج. 

لكن من الحق ايضاً القول إن البرنامج أثار يومها مخاوفاً لدى قيادة الاتحاد السوفياتي دفعتها إلى الانخراط دبلوماسياً مع الرئيس ريغان في سلسلة محادثات للسيطرة على السلاح. تلك المحادثات افضت بالنتيجة إلى إبرام معاهدات ثنائية انتهت بخفض التوترات مع تقليص مخزونات الدولتين من الاسلحة النووية. لنأمل إذن أن يعيد التاريخ نفسه الآن بعد مرور أربعة عقود.


عن صحيفة 

نيويورك تايمز الأميركية