عواطف مدلول
يتربع الشاي على قائمة المشروبات الساخنة المفضلة لدى العراقيين حيث يحتل المركز الأول بدون منافس مكتسباً الشهرة الواسعة في ثقافاتهم المتوارثة، باعتباره حاضرا في جميع الأوقات بجلساتهم ولقاءاتهم فيعملوا على تقديمه كضيافة خلال زياراتهم لبعضهم، لذا لا يغيب أبدا عن مناسباتهم السعيدة كانت ام الحزينة، حتى بات مرتبطا بكل تفاصيل وروتين حياتهم اليومية.
وفي معلومة ذكرها أحد الباحثين والمهتمين بالشأن التاريخي والتراثي، إن العراقيين عرفوا الشاي في عهد والي بغداد العثماني مدحت باشا خلال الفترة مابين (1869 - 1872)، وهناك آراء أخرى تشير إلى أنّه دخل البلد اثناء فترة الاحتلال البريطاني للعراق.
اختلاف تاريخ بدء علاقة العراقيين بالشاي قد لا يكون محدداً لكن عشقهم له بَدا واضحاً وممتداً على مدى سنوات طويلة، لدرجة أنه غَلب على حبهم للقهوة التي كانت مشروبهم المقدَّس قبله، فقد أضحى الشاي رمزاً للبلد و جزءاً اساسياً من تقاليده وتراثه وفولكلوره، فوصلت سمعته إلى كثير من الدول لاسيما العربية وذاع صيته فيها، وغالبا ما تطرح التساؤلات أمام المسافر العراقي اثناء رحلاته لبعض منها عن طبيعة نكهة ( الجاي العراقي) وتميزه عن غيره، فمعظم العرب على وجه الخصوص يظنّ أن هناك حقول للشاي في العراق، ويتفاجؤون عندما يعلموا بأن كل ماموجود منه هو مستورد أصلا، لكون أجواء العراق لا توفر البيئة المناسبة لنجاح زراعته فيه.
لكن برع العراقيون وتفننوا بصناعة تشكيّلة خاصة من الشاي، واتبعوا طرقاً معينة لتحضيره، من خلال إضافة التوابل والأعشاب العطرية والمنكهات وأبرزها الهيل، بخلطات ووصفات انفردوا بها عن غيرهم من الشعوب، و في أول سفراتي لبعض من الدول المجاورة تذوقت أنواع الشاي المقدمة فيها، ولم أجدها بمستوى الشائعة لدينا، وبالرغم من انتشار المقاهي التي تعلن عن تقديم الشاي العراقي في واجهاتها، لجذب الزبائن إليها هناك، إلا أنّه بمجرد احتسائه يمكن الشعور بالفرق، لذلك سمعت نصيحة أحدى الصديقات التي نبهتني بضرورة أن يكون برفقتي وبشكل دائم، كيس الشاي العراقي كلما نويت السفر خارج البلد .
اجتماعيا فإن الجانب الإيجابي بذلك المشروب الشعبي يكمن في أنّه يساهم بنسبة عالية في تعزيز العلاقات وتقويتها بين الناس، سواء الأهل او الاصدقاء والمعارف، حينما يُجمع شملهم حوله، في حين صحياً ينصح به لأنه يعمل على الاسترخاء وتخفيف التوتر كما يحسن المزاج، وبنفس الوقت يبعث على النشاط ويساعد على التركيز، لكن هناك تحذيرات من الافراط بشربه وذلك لا يمنع العراقيين من خلق الفرص والاسباب لاقحامه بكل طقوسهم واحتفالاتهم، فهم مدمنون عليه كعادة لا يستطيعون التخلي عنها بسهولة، لدرجة أنهم لا يترددون باختياره مهما تكن درجات الحرارة مرتفعة في فصل الصيف، ويعّد رفيقهم الدافئ بساعات الشتاء الباردة، اذ يبدأون صباحاتهم به في البيت او الدوام او بالطريق، لكثرة بائعيه في المحال والشوارع والكافيهات والمقاهي، اما في أيام شهر رمضان المبارك يختمون مائدة افطارهم بـ (الجاي المهيل) لتملأ رائحة عطره منازلهم حتى ساعات الفجر، بعد وجبة السحور استعدادا لصيام يوم جديد.