غيث الربيعي
كل جندي ينوي خوض معركة ضد عدو شرس، لا بد له من دخول معسكر تدريبي يتجهز من خلاله ليتمكن من الانتصار، ومن الجلي والواضح أن أعتى أعداء بني آدم هو إبليس، الذي نطق بصريح العبارة (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)،
وإذا أضل الإنسان الصراط المستقيم، خسر معركته ضد رمز الشر في الوجود، ولكي يدخل الإنسان متجهزاً، على المستويين المعنوي والمادي، عليه أن يدخل معسكراً تدريبياً يمكنه من خوض المعركة ضد إبليس، وهذا المعسكر هو المعسكر الإلهي الذي دعينا إليه في شهر رمضان، ففي هذا الشهر يتمحص الإنسان القادر على اجتياز الاختبار اليوم ليكون جندياً في معسكر
الخير.
وفي هذا الشهر الفضيل، يطلب الله تعالى من عباده تدريبات عدة توصلهم إلى مرحلة أرقى في مراحل الكمال البشري، واسهل هذه التدريبات هو الامتناع عن الأكل والشرب في النهار، والمغبون من لم ينل من هذا الشهر غير الجوع والعطش، فالامتناع عن المفطرات هو الجانب العملي من التدريبات، أما الجانب المعنوي فهو جانب التمارين القلبية، وهذا هو الأهم، فالقلب هو الذي يقود الجوارح في المعركة، فمن قوي قلبه اشتدت عزيمته على محاربة الشيطان، فهو النافع الوحيد في يوم الحشر الأكبر، حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وسلامة القلب
هي نتيجة واقعية لإخلاص الإنسان في توحيده، وشهر رمضان هو أحد أهم منظفات القلب، وأحد أقوى وسائل إثبات الطاعة للخالق عز وجل، وهو الدواء لصدأ النفوس، والبلسم الذي يجلي الرين المتكدس فوق القلوب التي في
الصدور .
ويأمرنا الله تعالى في أيام الشهر الفضيل بالامتناع عن أغلب الشهوات الكامنة في طيات النفس البشرية، لذا من أطاع وجاهد نفسه الأمارة بالسوء، وحارب هواه، ودخل ساحة اللطف الإلهي، عُد من عباد الله تعالى المخلصين، الذين أعدهم الله تعالى لكسر شوكة
إبليس.