قصص النجوم في شهر رمضان

الرياضة 2025/03/04
...

  د.عدنان لفتة 

مع رمضان الخير نستذكر قصص نجوم كرة القدم وحكاياتهم، إذ نلقي الضوء في كل أسبوع على مجموعة منهم من مختلف الأجيال والذين مرّوا على كرتنا بقديمها وجديدها ليحكوا حكايات حدثت لهم وما زالت عالقة في أذهانهم.

إحراج لا يوصف

المدافع الكبير محمد طبرة نجم فريق الشرطة والمنتخب الوطني تحدّث عن ذكرى عالقة في ذهنه في أيام حضوره الأول بالملاعب الشعبية قبل الوصول للأندية والدوري، فيقول: في أحد أيام شهر رمضان الخير عندما كنت لاعباً في فريق داينمو بغداد الشعبي بمنطقة الأعظمية بقيادة المدرب الدكتور عبد القادر زينل المحترم ويساعده الصحفي الرياضي الكبير قاسم العبيدي. كنت حينها بعمر (19) سنة وكان مقرراً أن نشارك في منافسات بطولة رمضانية للفرق الشعبية سنة (1969)، وكانت هذه المشاركات معروفة آنذاك وتحظى بمتابعة جماهيرية هائلة قبل ساعات الإفطار.

 وفي إحدى المباريات كنت صائماً وأكد المدرب زينل ضرورة عدم الصيام لأهمية المباراة وللمحافظة على جهدنا البدني. 

قبل المباراة سألنا المدرب: كم لاعباً صام منكم؟ لم أرفع يدي، وبقيت صائماً في حقيقة الأمر ومفطراً في نظر المدرب. قدمت خلال المباراة مستوى رائعاً حظي بالتصفيق والإشادة، إذ كنت ألعب مدافع يسار وأخرج بالكرة برشاقة بمقربة الخط الجانبي وصولاً إلى علم الزاوية لأرفع الكرات إلى لاعبينا، والحمد لله فزنا في المباراة بعد عرض جميل. 

بعد المباراة كان همي الأول العودة سريعاً إلى بيتنا قبل مدفع الإفطار، إذ كنت أسكن في منطقة أبو غريب.

 أخذت أول سيارة وثانية إلى أن وصلت إلى الصالحية لأنطلق منها إلى أبو غريب وما زلت أذكر أنَّ رقم حافلة نقل الركاب كان برقم (29).

وخلال انتظاري قدوم الحافلة ضرب مدفع الإفطار وأنا في الصالحية. الجوع أخذ مني مأخذه والحافلة ستتأخر ساعتين لذلك قلت في نفسي لأفطر ثم أنتظر الحافلة، (وهنا تُسكب العبرات) لم أجد في جيبي ما يكفي الفطور والذهاب بالحافلة.

ماذا أعمل إن لم آكل سأموت جوعاً لأني صائم ولعبت مباراة كاملة وإذا بقيت أنتظر الإفطار مع عائلتي معناه الانتظار لساعتين لحين وصول الحافلة، عندها ذهبت لأقرب محل لعمل العصير أخذت (ساندويج جبن) ليصبرني قليلاً ريثما أصل للبيت، توجهت بعدها إلى كابينة الانتظار أنتظر الحافلة، وليس في حبيبي أي مبلغ من المال ففكرت بالذهاب مشياً من هناك إلى البيت إلا أنَّ المسافة بعيدة جداً وقد لا أصل إلا في اليوم التالي. 

فقلت لأبقى أنتظر عسى ولعل يسامحني محصل النقود (الجابي) أو أجد من يعرفني فيدفع الأجرة بدلاً عني.. كانت لحظات عصيبة جداً والأجواء مظلمة، لكن والحمد لله عندما وصلت الحافلة انفرجت أساريري وابتسم القدر لي والمنقذ هو محصل النقود فعلاً وكان أحد أصدقاء أخوالي شامل وعامر طبرة (رحمهما الله) فرحت كثيراً عندما رأيته وسلّمت عليه وحكيت له ما حصل لي قال ولا يهمك وصلت إن شاء الله.

ضحكت على ما جرى ووصلت إلى البيت وأنا أستعرض لعائلتي ما مررت به من مأزق عشته في المباراة وبعدها وصعوبات الطريق وعدم توفر النقود حينها ورحمة الله تعالى التي أنقذتني من إحراج لا يوصف.


فقدان ذاكرة مؤقت

الحارس الدولي جليل زيدان بدأ حياته الرياضية من نادي الصناعة، الذي تألق فيه بشكل لا يوصف وكان بوابته نحو الأندية الجماهيرية.

زيدان كانت له قصة غريبة حدثت له في أحد أيام شهر رمضان المبارك. وتحديداً موسم (1989 – 1988) إذ يقول: 

كان لدينا مباراة في الدوري مع فريق الشرطة العريق وهو فريق كبير ونحن مجموعة من المواهب الشابة مثل علاء كاظم وأحمد خلف وهشام علي وكريم نعمة ومحمد تقي وحسن كولي وماجد عودة والمرحوم باسم ناصر.

 وكالعادة كانت توجيهات المدرب وقتها ألّا نصوم في المباراة كي نحتفظ بقوتنا ونتمكن من الصمود في المباراة، وتوقيتها كان عصراً قبل الفطور. بالنسبة لي لم أفطر وبقيت صائماً. خلال المباراة القوية التي قدمت فيها مستويات كبيرة، لكن للأسف تعرضت إلى إصابة بالرأس خلال احتكاك مع أبرز مهاجمي الشرطة وهدافهم آنذاك الهداف سعيد نوري. وارتطم رأسي بقوة في الأرض. فأغمي علي وفقدت الذاكرة مؤقتاً. لكنني أكملت المباراة بعد إسعافات أولية أعادتني إلى الاستفاقة والوضع الطبيعي. دون أن أتذكر ما حدث لي بعد الاصطدام العنيف. واستمر فقدان ذاكرتي تقريباً (12) ساعة أو أكثر. 

في اليوم التالي ذهبت للتدريبات وأنا أشعر بعودة ذاكرتي فتدربت بشكل اعتيادي لكنَّ اللاعبين كانوا يتهامسون ويضحكون عندما شاهدوني في الوحدة التدريبية. فسألتهم عن أسباب ضحكهم؟ فردوا علي: ألم تكن صائماً في مباراة الأمس مع الشرطة.. قلت لهم نعم.. قالوا كيف وأنت شربت كميات كبيرة من المياه وأكلت برتقالة كاملة بعد الإصابة. قلت لهم أي إصابة؟ فضحكوا علي بشكل هستيري أكبر وحكوا قصة إصابتي بالكامل لكنهم لم يعرفوا أنني فقدت الذاكرة مؤقتاً جرّاء الاصطدام القوي. نفس الشي عند العودة للبيت تناولت الطعام أيضاً قبل موعد الإفطار. وأهلي استغربوا من وضعي. غير أنني كنت أشعر بنفسي أتذكر أحداث المباراة فقط قبل حدوث الإصابة. حتى في وقتها عندما انتهت المباراة قلت للاعبين بالمنزع الخاص بملعب الشعب: كم انتهت نتيجة المباراة فظلوا (ينظرون لي بدهشة) متصورين أنني أمازحهم لكنني في حقيقة الأمر فقدت الذاكرة بفعل الإصابة القوية من الارتطام مع سعيد والأرض.


نجم.. يستذكر اجمل ذكرى

هداف فريق النجف حيدر نجم لا ينسى أبداً أجمل ذكرى له في شهر رمضان المبارك، ففي موسم (1996 – 1997) كانت لديهم مباراة مع فريق سامراء بملعب محافظة النجف القديم وقد تم إبلاغ الفريق قبل يوم من المباراة بعدم الصيام تحضيراً لها من أجل الفوز وعدم التفريط بنتيجتها. كان مدربنا حينها الكابتن الكبير ناجح حمود. فقرر بعض اللاعبين السفر خارج النجف لبلوغ مسافة الترخيص الشرعي للإفطار كي لا يكون الإفطار متعمداً.. وبالفعل قاموا بذلك بينما قررت أنا البقاء صائماً وتحمل كل الظروف، فلم أسافر مع زملائي ورفضت الإفطار من دون علم المدرب الذي كان يظن أنني التزمت بالتعليمات بعدم الصوم.

الله سبحانه وتعالى كافأني كثيراً لرغبتي الشديدة بالمحافظة على صومي رغم الجوع والعطش، فرمضان حينها كان في قمة الصيف اللاهب وقدمت والحمد لله مستوى لافتاً كبيراً، إذ فزنا بثلاثة أهداف دون مقابل، سجلت فيها جميع الأهداف ليكتب التاريخ أول هاتريك في حياتي الرياضية بمباركة شهر رمضان الكريم وكنت سعيداً جداً بهذا الحدث الجميل وأشاد بي الكابتن ناجح حمود بعد المباراة واعترفت له بأنني لم أفطر وبقيت صائماً، فقبلني من جبيني وأثنى على جهودي والتزامي العالي ومحافظتي على صيامي.


هدف الفوز القاتل

هداف فريق التجارة حازم ياسر له قصة جميلة في شهر رمضان المبارك كانت سبباً في تعزيز شهرته ومهاراته مع الأهداف وهز الشباك ففي موسم (1990) أمام الرشيد المتخم بنجوم الكرة العراقية جمعتنا مواجهة ببطولة الكأس، والتجارة وقتها كان قد هبط إلى دوري الدرجة الثانية بعد ثلاثة مواسم قضاها في بطولة الكبار كنت خلالها أحد أبرز لاعبيه وثاني الهدافين في الدوري.

 المباراة مع الرشيد أقيمت في عز فصل الصيف الحار. وكنا نتحدث مع بعضنا البعض كلاعبين باستحالة الفوز على الرشيد بطل الأندية العربية والمستحوذ على أغلب البطولات المحلية رغم الثقة الكبيرة التي زرعها في نفوسنا المدرب الكبير عادل يوسف بألّا يصيبنا اليأس مطلقاً. 

وقبل يوم المباراة زارنا يوسف برفقة صديقه المدرب رعد عبد اللطيف في منطقتنا بنادي السيف العربي في حي البنوك، وقد بادر يوسف بسؤالي: (حازم هل تصوم أو تفطر غداً؟ يقصد المباراة)، فقلت له النتيجة معروفة وأقصد خسارة فريقنا المتواضع أمام الرشيد الذي يضم معظم عناصر المنتخب الوطني.. فقلت له لا أريد أن أضيع يوماً من الصيام، فقال لي أنصحك أن تأكل على السحور بيضتين (نصف سلق) وتشربهما فقلت له سأفعل.

في يوم المباراة كنت صائماً ولم أكن خائفاً أبداً من مواجهة نجوم الرشيد، إذ نفذنا أسلوباً دفاعياً محكماً وضعه المدرب عادل يوسف بالتزام تام من أغلب اللاعبين بينما منحني الحرية أنا فقط لعبور خط منطقة الوسط ومحاولة مهاجمة دفاعات الرشيد. دقائق المباراة سجلت نجاحاً واضحاً، استبسل لاعبو فريقنا في الدفاع وسط معاناة شديدة لنادي الرشيد الذي لعب باسترخاء متعالياً على أجواء المباراة متصوراً أنها ستكون نزهة له مليئة بوجبة كبيرة من الأهداف.. صمودنا وتفاني لاعبينا منع الرشيد من اللعب كما شاؤوا فلم يتمكنوا من التسجيل، وكوفئنا على صمودنا الأسطوري وروحنا العالية في الدقيقة الأخيرة من هجمة معاكسة نجحت فيها بتسجيل هدف الفوز في المباراة الأولى بين الفريقين وحينها كتبت الصحف كثيراً عن المباراة التي عدّتها مفاجأة مدوية.. نتيجة المباراة الخاسرة تسببت بإقالة المدرب نصرت ناصر وتسمية المدرب الكبير أنور جسام لقيادة الفريق في المباراة الثانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

والمباراة الأولى كانت درامية ومثيرة وأقيمت في ملعب الشعب أما الثانية فتقرر إقامتها في ملعب النفط بحي أور. 

والأجمل أننا حتى في مباراة الإياب عقدنا الأمور على الرشيد مرة ثانية وقدمنا فيها صورة جميلة أخرى لتنتهي المباراة بالتعادل بهدفين وإقصاء فريق الرشيد المرشح الأول للفوز بالبطولة وصعدنا للمرحلة اللاحقة برغم صعوبة المباراة نتيجة تشكيلة الرشيد المدججة بالنجوم والتي ضمت أحمد راضي وسعد قيس وحبيب جعفر وليث حسين وسلام هاشم وشرار حيدر ومظفر جبار وجلال شاكر.

ومن جميل المصادفة أنَّ مباراة التجارة مع الرشيد كان قد حضرها مدرب منتخبنا الوطني الروسي موروزوف الذي نصحه الاتحاد العراقي بمشاهدة هذه المباراة لأنَّ لاعبي الرشيد أغلبهم يمثلون العراق ليتم اختياري أنا وحدي للمنتخب العراقي من دون الجميع، وتكون صدمة للاتحاد حين قالوا له أحمد راضي كان أحسن لاعب في آسيا وقال لهم إنَّ هذا رقم (10) من التجارة (ويقصدني أنا) من الممكن أن يكون أحسن لاعب في آسيا هذا ما سمعته من إدارة التجارة وأفرحني كثيراً في ذكرى لا تنسى لفريق التجارة.