ذو الفقار يوسف
اعتدنا أن ننتظره ونلتقيه بكل حب وشوق، هو الشهر الذي نعمل فيه على تنقية أرواحنا من كل شر ومعصية، وبالرغم من سنوات الحر الماضية، إلا أنّ اشراقته المباركة على القلوب لم تخفت ولم تمنعنا من مراقبة أعمالنا، عائلاتنا، والتزاماتنا الاجتماعية والدينية.
هذه المرة يطل علينا شهر رمضان في ظل أجواء أقل ما يقال عنها إنها مناسبة، لذا أضحت السعادة مضاعفة، وبات صيام النهار وقيام الليل ميسرا على الجميع.
مهذب النّفوس
كان محمد سليم (36 عاماً) يعاني في كل شهر فضيل خلال السنوات الماضية من مشكلته مع حر الصيف، لكونه يشكو من ارتفاع الضغط عند ارتفاع درجة الحرارة، وبالرغم من ذلك لم ينقطع عن أداء هذه الطاعة السنوية طلبا لمرضاة الله تبارك وتعإلى.
يقول سليم، إن "الشعور بالمشقة في هذا الشهر العظيم يحمل في طياته الكثير من المعاني والعبر، منها أن نكون ذوي إرادة وقوة، وأن نتحمل كل العراقيل في طريقنا لتهذيب نفوسنا.
أجمل الشهور
الدكتور حسنين أبو العيس الموسوي بدوره يثري سطورنا حيث يؤكد، أن "شهر رمضان من أجمل الشهور التي يتقرب فيها الإنسان المؤمن من الباري عز وجل، إذ أن مرور هذا الشهر الكريم في أيام الصيف اللاهبة يعطي درسا عمليا للتعلم على الصبر وتقويم الخلُق، لأن طبيعة الإنسان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعوامل الخارجية، مثال على ذلك عند ارتفاع درجات الحرارة نرى أن عامة الناس يكونون في حالة عصبية"، منوها على أن "مرور شهر رمضان بمثل هذهِ الأجواء يعد فرصة لتهذيب النفس كون المطلوب من الصائم ليس فقط الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما أن يكون ملتزما بجميع الواجبات المترتبة عليه لاكتساب الأجر والثواب. يضيف الموسوي، أن "الأثر المترتب على الصيام في أيام الحر الشديد سيكون عظيما، إذ أنه يحمل العديد من الفوائد، منها تقوية الإرادة وتعلم الصبر على الجوع والعطش والسيطرة على الشهوات، ما يجعله سلطاناً على ذاته وغرائزه، وبالتالي كبت الشر الموجود داخل نفسه".
يتابع الدكتور حسنين بأن "العادة هي عدو الأنسان الأول في هذا الشهر الفضيل، ومنها عادة التدخين او الأكل بكثرة، فالصوم يعلمنا كيف ندحر عاداتنا ويرينا طرقا للتغلب عليها".
يوضح الموسوي في حديثه لـ(الصباح)، بأن "صيام الشهر الفضيل في موسم الربيع يزيد من الارتياح لأن أيامه ستخلو من الشمس الحارقة، لا سيما على العديد من العاملين والكسبة من الصائمين، لذلك نحن نحمد الله على قدوم هذا الشهر في هذا الموسم هذه المرة.
استثمار الشهر الفضيل
اما الباحث الاجتماعي ولي الدين الخفاجي، فيبين، أن "قدوم شهر الصيام خلال فصل الربيع فيه الكثير من الانعكاسات الإيجابية النفسية والاجتماعية والجسدية على الصائم "، فمن جهة سيعمل الجو المعتدل على تحمل العطش والجوع، فضلا عن قصر وقت الصيام الذي سيكون محصورا في ساعات قليلة، إضافة إلى تأثيره الجيد في اراحة أعصاب الصائم واسترخائه، الأمر الذي سيساعده على أداء واجباته الدينية فضلا عن الاجتماعية مثل صلة الرحم ومساعدة الفقير وغيرها. يكمل الخفاجي، بأن "هذا الشهر يعد فرصة أيضا لأن يراجع أولياء الأمور علاقاتهم الأسرية مع أولادهم، فنحن نعرف أن في بقية أيام السنة قد لا تجتمع العائلة في أوقات المأكل والمشرب وغيرها بسبب ارهاصات العمل وظروف الحياة، ولكن في هذا الشهر سوف تجتمع العائلة قرابة الـ60 مرة، 30 منها على الفطور و30 على السحور". ويذكر الخفاجي لـ(الصباح)، ان أهمية هذا الشهر تكمن أيضا بكونه مناسبة لتقوية العلاقات بالجيران وتحقيق التكافل الاجتماعي، من خلال الاهتمام بالفقراء والمساكين المتواجدين قريبا منهم، داعيا وسائل الاعلام إلى توجيه الاهتمام على قضية الترابط الأسري ونبذ الخلافات والوحدة الوطنية، إضافة إلى جانب تقديم النصائح المنسجمة مع قيم الشهر الفضيل لفئة الشباب.
فانوس رمضان.. منشأه وانتشاره
يعد فانوس رمضان أحد أشهر وأبرز المظاهر التي ارتبطت بالشهر الكريم، استعمل في البدء لإضاءة الطرق ليلا، إلى أن أمر الفاطميون بإضاءة مساجد القاهرة به - كما قالت بعض الروايات- فصار مظهرا رمضانيا موروثا منذ ذلك الحين.
هناك العديد من القصص عن أصل الفانوس. أحد هذه القصص تقول إن ارتباط الفانوس بشهر رمضان يرجع إلى يوم 15 رمضان 362هـ (972م)، حينما استعد المصريون لاستقبال المعز لدين الله – رابع الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين في مصر– الذي وصل إلى مشارف القاهرة في ذلك التاريخ ليتخذها عاصمة لدولته.
وكان القاهريون قد استعدوا لاستقباله عند صحراء الجيزة، رافعين المشاعل والفوانيس، ومن ثم تحول الأمر إلى طقس سنوي مع استقبال شهر رمضان سنويا.
الرواية الثانية تقول إن الخليفة الفاطمي، كان يخرج ليلا مع العلماء والفقهاء لاستطلاع هلال رمضان، ومن ورائهم النساء والأطفال، واعتاد الأطفال أن يخرجوا في الموكب حاملين الفوانيس وهم يرددون بعض الأغاني الاحتفالية بقدوم رمضان، ومن ثم أصبح طقساً رمضانياً.
فيما تذكر الرواية الثالثة أن أصل ارتباط الفانوس بشهر رمضان المبارك، يرجع إلى أن الحاكم بأمر الله، أمر أن تضاء المساجد بالفوانيس طوال هذا الشهر، مع وضع شمعة داخل كل فانوس، وكذلك أمام البيوت وفي الأزقة، وتغريم كل من يعصي الأمر، وأنه استعان في سبيل تحقيق هذا الأمر بعدد كبير من الحرفيين المهرة لتوفير الفوانيس اللازمة.
الرواية الرابعة، توضح أن الخليفة الحاكم بأمر الله لم يكن يسمح للنساء بالخروج من بيوتهن ليلا إلا في شهر رمضان، شرط أن يسبقهن الأطفال والغلمان حاملين الفوانيس لإنارة الطريق ولتنبيه الرجال كي يبتعدوا عن طريقهن.
اما مؤرخ الديار المصرية أبا العباس تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، كان له رأي آخر يناقض كل الروايات السابقة، إذ تشير روايته إلى ظهور الفانوس في مصر قبل دخول الفاطميين بعقود طويلة.
ويقول في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، إنّ أقباط مصر قبل الفتح الإسلامي كانوا يستخدمون أشياء تعتمد على نفس فكرة الفانوس في احتفالاتهم بمناسبة أعياد الميلاد.
ويضيف أن المسلمين في مصر تأثروا باحتفالات الأقباط بأعياد الميلاد، حيث كان موسما تباع فيه الشموع المزهّرة بالأصباغ الرائعة، وكانوا يسمّونها الفوانيس، ويعلقّونها في الأسواق والحوانيت.
ويرى البعض أن ظهور الفانوس في مصر كان عادة قديمة لاحتفال المصريين بأعياد الميلاد، بحكم أن المسيحية كانت أسبق وأقدم في الدخول إلى مصر من الإسلام ومن دخول الفاطميين إلى مصر، وتسرب هذا الطقس إلى الثقافة الإسلامية في وقت لاحق، وربما مع تحول أغلب المصريين تدريجيا إلى الإسلام، ازدهر هذا الطقس الاحتفالي وأصبح طقساً رمضانياً.