الدكتور صباح محسن كاظم
يمثل شهر رمضان دورة تربوية وأخلاقية وروحية سنوية بالامتثال للأوامر الإلهية بالطاعات والعبادات، والابتعاد عن الغرائز والمشتهيات النفسية، وبالتالي العمل على إزالة ماعلق بالنفس والقلوب من أدران وأمراض مثل الرياء والكبرياء والحسد والغش والنفاق الاجتماعي وغيرها.
ويأتي شهر رمضان لإذابة كل الحجب التي تمنع الإنسان من الوصول إلى جوهر وجوده وصفاء نفسه، عن طريق برنامج الصيام والقيام والتهجد الذي تتكامل به الأنفس الشح بالخيرات وتقوض السلبيات وتمحوها، والحث على التحلي بالفضائل والابتعاد عن الرشى وقضم المال العام، لذا هي بحق (دورة تربوية بالنزاهة).
من هنا جاءت الآيات القرآنية الشريفة بالتوجيه الروحي والتربوي والأخلاقي للارتقاء بالإنسان جوارح وسلوكاً وبالتالي نيل الثمن الدنيوي والأجر الآخروي، كما في الآيات القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ١٨٤ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ١٨٥﴾: البقرة.
ففرض هذه الطاعة على المؤمنين كما فرض على الأمم والأقوام من قبلنا فيه صالح وجودنا، كما بين ذلك معظم العلماء والأطباء بمنفعته للجسد كعلاج للأمراض المستعصية والآلام، وأثره في نيل الكمالات الأخلاقية والتكافل الاجتماعي من خلال احساس الأغنياء والمترفين بمعاناة الفقراء والمحرومين.
كما تعمل هذه الفريضة أيضاً على تربية العقول عبر التدبر بكتاب الله الذي يعد وعياً مضافاً بمختلف العلوم، تاريخية أو لغوية أو علمية، من خلال مراجعة التفاسير القرآنية وسيرة الأنبياء وآل البيت (عليهم السلام)، لاستلهام العبر والدروس التي تمكن الإنسان من التصدي لأعداء البشرية مثل الصهاينة وغيرهم، فاقتفاء أثر أئمة المسلمين يعزز المنعة والصبر والصمود ويشحذ الهمم لمقاومة الباطل، يضاف إلى ذلك الأثر الآخروي المترتب على الالتزام بفريضة الصيام كما يبينه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بقوله (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه).
إذن يتمكن الإنسان خلال هذا الشهر من إصابة أكثر من هدف، فالرحمة والألطاف الإلهية تنتشل وجوده نحو السمو والتكامل من جهة، والأجر وغفران الذنوب وجنة عرضها السموات والأرض من جهة أخرى.
ومن الألطاف الإلهية التي لا بد من الإشارة إليها، هي اللين واللطف مع المكلفين، إذ قرن الصيام بالاستطاعة وهو أمر ميسر على الجميع باستثناء من رخصت له الآيات القرآنية الشريفة الإفطار، مثل الذين يعانون الشيخوخة أو من ينصحهم الطبيب بالإفطار؛ لكونه يضر بصحتهم، فضلاً عمن هو في سفر (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أو عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).