المرأة العراقيَّة .. تحوّلاتٌ سياسيَّة واجتماعيَّة وتحدياتٌ مستقبليَّة

ريبورتاج 2025/03/09
...

   بغداد : سجى عماد

في خضم التحولات التي أعقبت عام 2003، برزت المرأة العراقية كلاعب رئيس في المشهد السياسي والاجتماعي، محوِّلة تحديات الماضي إلى فرص للمستقبل. من مقاعد البرلمان إلى مراكز صنع القرار، ومن النشاط المجتمعي إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، أثبتت أنها قادرة على كسر القيود وإعادة تعريف دورها. لكن هذه الرحلة لم تكن سهلة، وما زالت معركتها مستمرة ضد عقبات اجتماعية وثقافية وسياسية تعيق وصولها إلى التأثير الفعلي. فهل نجحت المرأة في تحويل تمثيلها الرمزي إلى قوة تغيير حقيقية؟

في حديثها لـ"الصباح"، تؤكد أستاذة القانون الدولي، الدكتورة منال فنجان أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية تُعد الأفضل في المنطقة، إذ حققت نسباً متقدمة في مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتشير إلى أن نسبة النساء في مجلس النواب تصل إلى 25%، وهي من أعلى المعدلات في المنطقة، فضلًا عن حضور المرأة في السلطة التنفيذية والقضائية، حيث يُسمح لها بتولي مناصب قضائية على عكس بعض الدول التي ما زالت تمنع ذلك.

وترى فنجان أن المرأة ليست فقط حاضرة في المؤسسات الرسمية، بل تمتلك دورًا مؤثرًا في الحياة الحزبية، حيث نجدها عضوًا في المكاتب السياسية والأمانات العامة، بل وهناك نساء أسسن أحزابًا سياسية أو ترأسن هيئات داخلها، وهو تطور إيجابي يُحسب لها.

وتؤكد أن البيئة السياسية مشجعة من الناحية القانونية، حيث كفل الدستور نسبة تمثيل لا تقل عن 25% للنساء في البرلمان، بل شهدت بعض الدورات الانتخابية تجاوز هذه النسبة، ما يعكس ضمانة قانونية واضحة لدور المرأة في السياسة. أما من الناحية الاجتماعية، فترى أن المجتمع العراقي بمختلف مكوناته يدعم مشاركة المرأة أكثر مما يُعتقد، حيث ساندت عشائر بأكملها مرشحات من بناتها في الانتخابات، ما يدل على تقبل اجتماعي متزايد لدور المرأة السياسي.

لكن رغم هذه الإيجابيات، تعترف فنجان بأن البيئة السياسية العراقية تواجه تحديات مثل العملية التوافقية التي أفرزت واقعًا سياسيًا يغلب عليه الطابع الذكوري، ما حدَّ من وصول المرأة إلى مراكز القرار العليا. ومع ذلك، تؤكد أن المرأة أثبتت جدارتها، لكنها بحاجة إلى مزيد من الدعم والتطوير، لأن الحقوق والمكاسب لا تُمنح تلقائيًا، بل تُنتزع بالنضال والاستمرار في المطالبة، على حد تعبيرها. كما تؤكد الناشطة في مجال حقوق المرأة، سهيلة الأعسم، أن مشاركة المرأة في العملية السياسية شهدت تحسنًا مقارنة بالماضي. لكن الأعسم تشير الى أن هناك فجوة واضحة بين التمثيل الكمي والتمثيل الفعلي. وتضيف لـ"الصباح" قائلة: "في كثير من الحالات، تحصل النساء على مناصب سياسية، لكن دون امتلاك القدرة الحقيقية على التأثير في عملية صنع القرار، ما يجعل مشاركتهن شكلية أكثر من كونها حقيقية". وتعزو ذلك إلى "تحديات اجتماعية وثقافية وسياسية، تحدّ من قدرة المرأة على ممارسة دورها القيادي بفعالية".

وتشير الأعسم إلى أن أبرز العقبات التي تواجه النساء في المجال السياسي تتمثل في النظرة المجتمعية التقليدية التي تحصر دور المرأة في المنزل، ما يقلل من فرص قبولها في المناصب القيادية. وتضيف "كما تعاني النساء من نقص الدعم المالي والموارد مقارنة بالرجال، فضلًا عن القوالب النمطية التي تكرس فكرة ضعف قدراتهن السياسية. إلى جانب ذلك، تفتقر البيئة السياسية أحيانًا إلى سياسات داعمة تعزز مشاركة المرأة بشكل فعّال، مما يعيق تقدمها في هذا المجال". وترى الأعسم أن تعزيز حضور المرأة في مراكز صنع القرار يتطلب تنفيذ سياسات تشجع على المشاركة الفعالة، من خلال توفير التدريب والدعم المالي والسياسي للنساء الراغبات في الترشح للمناصب العليا، إضافة إلى دفع الأحزاب السياسية نحو توفير فرص متساوية للنساء في القوائم الانتخابية والمناصب القيادية. كما تشدد على أهمية سنّ قوانين تضمن تمثيلًا عادلًا للمرأة في المؤسسات السياسية.

وتحدثت لـ"الصباح" الدكتورة بشرى العبيدي، الناشطة في مجال حقوق المرأة، عن التحولات التي شهدتها مشاركة المرأة في العملية السياسية بعد عام 2003، وقالت  "أصبح لها حضور واضح في مجلس النواب والوزارات، والسلك الدبلوماسي، وحتى في مواقع قيادية ضمن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني".

إلا أن هذا الزخم، تقول العبيدي، بدأ بالتراجع تدريجياً، حيث تقلصت أعداد النساء في المناصب الوزارية والقيادية، ما يعكس واقعًا لا يتماشى مع مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور.

وترى العبيدي أن "التمثيل الحالي للمرأة في السياسة شكلي أكثر منه حقيقي، حيث لم تحقق الكوتا النتائج المرجوة في تعزيز دور النساء في صنع القرار، بل أفرزت في بعض الحالات نائبات يعملن وفقاً لأجندات حزبية دون استقلالية، ما أدى إلى تعطيل أو حتى معارضة التشريعات الداعمة لحقوق المرأة".

كما تنتقد العبيدي ضعف دور منظمات المجتمع المدني في دعم المرأة سياسيًا، وتؤكد أن الجهات المانحة تتحمل جزءًا من المسؤولية، حيث يجب أن تتوجه أموال الدعم إلى منظمات ذات تأثير حقيقي.

أما بالنسبة للأحزاب، فتؤكد العبيدي أن معظمها لا يمنح النساء فرصًا فعلية للوصول إلى المناصب القيادية، بل يكتفي بتوظيفهن لتحقيق مكاسب إعلامية. وترى أن الحل يكمن في إلزام الأحزاب بتوفير فرص متكافئة للنساء في المناصب العليا، إلى جانب تبني برامج حقيقية لبناء قدراتهن وتمكينهن سياسيًا.

وتشدد على أن نجاح المرأة في المشهد السياسي يبدأ من إيمانها بذاتها وقدراتها، وضرورة أن تفرض وجودها من خلال الكفاءة والاستقلالية، وليس عبر التبعية للحزب أو الرجل. وتدعو إلى تشريعات جديدة تضمن كوتا قائمة على معايير الكفاءة والالتزام بقضايا المرأة.

وترى العبيدي أن مواجهة هذه التحديات تتطلب برامج حقيقية لبناء قدرات النساء، ودعمهن ماليًا، وتوفير بيئة سياسية تتيح لهن فرصًا متساوية في مراكز صنع القرار، لضمان تمثيل فعّال يعكس الدور الحقيقي للمرأة في المجتمع.