صناعة الإسمنت في المثنى.. طوق نجاة لإنقاذ الاقتصاد المحلي

ريبورتاج 2025/03/10
...

  السماوة: نافع الفرطوسي

مدينة كلكامش وإنكيدو، رغم ما تتمتع به من ثروات معدنية وطبيعية هائلة، إلا أن واقعها الحالي يعكس صورة مغايرة تماما، حيث تعاني من معدلات فقرٍ وبطالةٍ مرتفعة. هذا التناقض بين الإمكانيات والواقع المعيشي دفع المسؤولين في المثنى إلى المطالبة بتخصيص صندوق خاص للإعمار، بهدف تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي وانتشال المحافظة من حالة المحرومية التي تعيشها.

مدير التخطيط في المثنى، قابل حمود البركات، قال لـ "الصباح" إن "الموارد المالية للمحافظة ضعيفة للغاية ولا تكفي لإدارة أعمال البناء والتنمية". وأضاف: "على الرغم من أن محافظة المثنى تمتاز بصبغتها الزراعية، إلا أنها تعد أكبر مستودع للموارد الطبيعية الداخلة في صناعة الإسمنت، فضلاً عن ثرواتها المعدنية الكبيرة، وقد دخلت مؤخرًا نادي المحافظات النفطية. لكننا لسنا من المحافظات السياحية، وليست لدينا موانئ أو منافذ حدودية للاستفادة من مواردها".

كما أكد البركات أن "التخصيصات المالية للمثنى ضمن الموازنة العامة لا تتناسب مع الاحتياجات الخدمية ومتطلبات التنمية"، مشيرًا إلى ضرورة إعداد دراسات معمقة من قبل الجهات المعنية بغرض القضاء على ظاهرتي الفقر والبطالة، ودعم مدن المحافظة بمشاريع استثمارية صناعية وزراعية ذات جدوى اقتصادية عالية.


موارد وثروات

من جهته، ذكر الخبير الجيولوجي عادل صبحي كاظم لـ "الصباح" أن "المحافظة تحتل مراكز متقدمة في خزين المواد المعدنية الأولية، بينها حجر الكلس ومادة الملح ومادة الجبس، إضافة إلى مادة الأطيان العادية، حيث تصل كميات البعض منها إلى 600 مليون طن، فيما تفتقر المناطق الوسطى والجنوبية إلى مثل هذا الخزين من المعادن والمواد الأولية".

وقال كاظم: "تمتاز المثنى بوفرة العديد من المواد، ومن بينها حجر الكلس الذي يدخل في صناعة الإسمنت، حيث تصل كمياته إلى 600 مليون طن بجميع أصنافه، بينما تتراوح كميات أملاح الصوديوم من 25 إلى 50 مليون طن، يستغل منها في الوقت الحاضر خمسة ملايين طن فقط، وتضم أربع طبقات رئيسة. كما تصل كميات مادة الجبس النادرة إلى مليون ونصف المليون طن، التي تُجلب حاليًا من بحيرة ساوة، بينما كانت في السابق تُجلب من منطقة هيت في الرمادي".

وأضاف: "تصل كميات مادة الأطيان العادية إلى 43 مليون طن، موزعة بين عموم منطقة (الفضوة) القريبة من معامل الإسمنت". مشيرًا إلى أن المعمل يستورد مادة تراب الحديد، التي تدخل كمادة أولية في الفرن لصناعة الإسمنت من خارج البلاد.

وبيّن كاظم أن "المواد الأولية التي تسهم في صناعته مثل حجر الكلس والتراب العادي، ومادة الجبس يجب أن تطابق المواصفات العراقية المطلوبة حصرا. كما أن هناك مواصفات عالمية عدة، بينها المواصفات البريطانية والأوروبية، حيث يعتبر المعيار في ذلك هو طريقة الفحص والمديات التي تطابق المناخ، مثل نسب الرطوبة والملوحة والمؤثرات الخارجية التي تؤثر في عملية الصب في البناء".

في غضون ذلك، كشفت هيئة استثمار المثنى عن تحقيق نسب إنجاز عالية في الخط الإنتاجي الثاني لمعمل اسمنت نجمة السماوة الاستثماري، حيث وصلت نسبة الإنجاز في المشروع إلى أكثر من 70 بالمئة حتى الآن، مما يشير إلى تقدم كبير في عملية التنفيذ. في المقابل، أعلنت الشركة الصينية سينوما (SINOMA) المنفذة لمشروع الخط الإنتاجي الثاني لمعمل سمنت الدوح عن إنجاز حوالي 30 بالمئة من أعمال المشروع، بعد أن بدأت عمليات التنفيذ منتصف العام الماضي، ما يعكس التزام الشركة بتسليم المشروع وفق الجدول الزمني المخطط.

وقال المهندس عادل داخل الياسري، مدير استثمار المثنى، في تصريح لـ "الصباح": ان "المحافظة تتمتع بمكانة متقدمة جدا في صناعة الإسمنت، ويجسد هذا التفوق الموقع الاستراتيجي للمثنى كـ "عاصمة للصناعات الإنشائية". ما يعزز هذا الدور هو ما تمتلكه المحافظة من خزين كبير من المواد الأولية عالية الجودة التي تدخل في صناعة الإسمنت، ما يجعلها من أكثر المناطق تميزًا في هذا القطاع. إضافة إلى ذلك، تسهم هذه المشاريع في تحريك سوق العمل المحلي وتوفير آلاف الفرص الوظيفية للشباب."

وأضاف الياسري: ان "المباشرة بالإنتاج التجاري في المعمل الأول ستكون في شهر نيسان المقبل، حيث من المتوقع أن يسهم المعمل في رفد السوق المحلية بستة آلاف طن يوميًا، ما يعادل مليون ونصف المليون طن سنويًا من الإسمنت العادي والمقاوم عالي الجودة. هذه الزيادة الكبيرة في الإنتاج ستكون مفيدة بشكل خاص للقطاع الإنشائي المحلي، الذي يعاني من نقص في المواد الأساسية. وبالتالي، سيعزز هذا الإنتاج من قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الإسمنت وتقليل الاعتماد على الاستيراد."

وأوضح الياسري أيضًا أن "مشروع الخط الإنتاجي الثاني لمعمل سمنت الدوح الذي تنفذه شركة سينوما الصينية يسير وفق الجدول الزمني المحدد، حيث تقوم الشركة الآن بتنفيذ الأعمال المدنية وفق المواصفات المخطط لها. ومن المتوقع أن يبدأ المشروع الإنتاج التجاري بطاقة إنتاجية تصل إلى ستة آلاف طن يوميًا من الأسمنت، وهو ما سيضاف إلى الطاقة الإنتاجية للخط الأول التي تبلغ أربعة آلاف طن يوميًا.  وبذلك، سيبلغ الإنتاج الكلي لمعمل اسمنت الدوح عشرة آلاف طن يوميًا، وذلك من الإسمنت بنوعيها العادي والمقاوم. ويعد هذا الرقم قياسيًا في إنتاج الإسمنت في المنطقة، حيث سيسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق المحلي وتوفير فرص العمل."

وأضاف الياسري أن "معمل اسمنت نجمة السماوة ومعمل سمنت الدوح يمثلان حجر الزاوية في تطوير قطاع الإسمنت في المثنى، وبإتمامهما، سيسهمان بشكل كبير في تعزيز البنية التحتية للمنطقة ودعم مشاريع البناء والإنشاء في البلاد. وستكون هذه المشاريع إضافة جديدة في مسيرة تطوير القطاع الصناعي في العراق، وستجلب مزيدًا من الاستثمارات إلى المحافظة، مما سيسهم في تحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة لأهالي المحافظة."

وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج الإسمنت في المثنى يعتبر من أبرز عوامل التنمية الاقتصادية في المحافظة، ويعكس أهمية هذه الصناعة في تحقيق التنمية المستدامة.