بغداد: بشير خزعل
تصوير: نهاد العزاوي
أكثر من (400) عام هو عمر الجامع والمدرسة التي شيدها محمد الجلبي كاتب السلطان احمد الطويل سنة 1017هـ، اصل تسميته بالآصفية يعود الى داود باشا العثماني والي بغداد الذي كان يسمى (آصف الزمان).
فناء الجامع يطل على سوق (شارع النهر)، الذي اختص ببيع الذهب حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي قبل أن تتنوع البضائع فيه الى الأقمشة والألبسة، تاريخ بناء المسجد يرجع الى العام (1608 م) ، جامع الآصفية سابقا، ومرقد الشيخ الكليني حاليا، مازال شاخصا بقبتيه الزرقاويين وجداره الذي يوازي النهر، بوابته الاولى تقع عند بداية جسر الشهداء، الذي شيد في العام 1940 ، اما البوابة الثانية فهي تتوسط السوق الحالي من جهة الرصافة وسط بغداد .
قبتان ومنارة واحدة تتيح لمن يرتقي سطحها مشاهدة الجانب الآخر من نهر دجلة، أما جدار المسجد فلا يبعد سوى بضعة امتار عن بداية الجسر باتجاه منطقة الكرخ، حرمه مستطيل الشكل وقاعة المصلى لا تستوعب أكثر من 500 مصل، فمساحته لا تزيد عن 4002 متر مربع، في رواق الجامع من جهة اليسار للباب الرئيس توجد قبة موازية للارض بنيت على سرداب يحوي قبرا للشيخ (محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي - توفى سنة 329 هـ / 941 م، وهو من كبار الفقهاء وأحد أهم علماء الحديث، وقد تتلمذ على يده علماء كبار في الفقه والشريعة، وله مصنّفات أبرزها كتاب الكافي.
يرجع تاريخ بناء الجامع الى 400 عام كما دون بعض المؤرخين، وعلى مر السنوات والحكومات المتعاقبة منذ العهد الملكي أجريت بعض عمليات الترميم والبناء إحداها كانت في العام 1964، فقيمته التاريخية لا تتيح العبث بأي حجر منه بشكل غير مدروس ما لم يكن هناك تخطيط مسبق لعمليات الترميم.
يقول الباحث الاثري عبد الكريم حافظ والمهندس المعماري المختص بالابنية القديمة: لدينا معالم سياحية قيمة ورائعة، والكثير منها يوجد في اماكن مثالية يمكن استغلالها بشكل جيد اقتصاديا وثقافيا وسياحيا، أحد هذه المعالم هو جامع الآصفية أو مرقد الشيخ الكليني، الذي يتوسط نهر دجلة وأشهر أسواق بغداد القديمة، هذا المعلم السياحي يمكن أن يكون مشروعا متكاملا يوثِّق تاريخ هذا المسجد من جانبه التاريخي، واستغلال جذوره القديمة كمعلم من معالم بغداد لجذب السائحين وإظهار تاريخ المدينة الحافل بالأحداث والمواقف.
(حسن كاشييه) 67 عاما أحد تجار وصاغة الذهب المعروفين بسوق شارع النهر قال: كنت أعمل مع والدي في صياغة الذهب منذ العام 1973 في محله الموازي لجدار جامع (الآصفية)، الذي يرجع تاريخه الى العهد العثماني، فبناؤه تزامن مع بداية تنامي قوة الدولة العثمانية في العراق، التي انتشرت مساجد وقصور سلاطينها في مناطق مختلفة من العالم. واضاف (كاشييه)، كان المسجد يفتح أبوابه للمصلين طوال اليوم، ففناؤه الكبير يتسع لأكثر من 500 مصل، وموقعه على ضفاف النهر بجانب شارع النهر وقرب سوق الشورجة جعل المسجد في موقع مميز، ومن العلامات الفارقة في مدينة بغداد وشارع الرشيد، ولم ينقطع الجامع عن دوره الديني كبيت من بيوت الله، التي تؤدى فيها الصلاة والشعائر الدينية المختلفة، حتى أنه كانت تقام فيه أحلى الأمسيات الرمضانية والطقوس والعادات التي ينظمها ابناء المحلات المجاورة مع القائمين على إدارة المسجد.
داود حسن الياسري رجل دين وأحد اصحاب المحال في شارع النهر بيَّن، أن مسجد الآصفية كان من المدارس الدينية المهمة، التي كانت تقام فيها حلقات التدريس منذ بداية القرن التاسع عشر، وتوجد في المسجد مكتبة اثرية تحتوي على مئات الكتب التي نقلت الى مكتبة الاوقاف العامة في باب المعظم، وأضاف الياسري، من المدرسين الذين درسوا في مدرسة الآصفية آنذاك (أسعدي افندي الموصلي) والشيخ علي بن حسين الكوتي المتوفى في العام 1916 والعلامة جليل افندي آل جميل المتوفى في العام 1956.
الباحث في شؤون الاثار حسن كاظم الاعرجي قال: التخطيط الممنهج لادارة مرافق الدولة السياحية مهم جدا، وخصوصا في هذه المرحلة التي تم فيها اختيار بغداد كعاصمة للسياحة، وعلى جميع الجهات والمؤسسات المعنية الاستفادة من تجارب الدول، التي استثمرت معالمها السياحية بصورة مثالية، ولعل اقرب مثال جغرافي للعراق هو تركيا، التي حولت اغلب مساجدها القديمة وقصورها الى معالم سياحية رائعة، وحصدت منها مغانم اقتصادية وثقافية في جميع مفاصل الدولة التركية، فالسياحة تفعِّل القطاع الخاص بشكل كبير جدا، وتدخل الى خزينة الدولة مليارات الدولارات سنويا، الحكومات المتعاقبة منذ نهاية العهد الملكي وما بعد تغيير النظام لم تفكر في اغتنام مثل هذه الفرصة بسبب أحداث كثيرة أبرزها الارهاب الذي كان يهدد جميع مفاصل الحياة، لكن بعد الاستقرار والامن الذي تشهده الدولة العراقية حاليا لا بد من الالتفات الى آثار وتراث الدولة واستغلالها بشكل حضاري ثقافي، يمكن العراق من ارتقاء مراتب متقدمة في عالم السياحة.