خديجة الكبرى عليها السلام صاحبة الفضل الأول على المسلمين

منصة 2025/03/11
...

  مرتضى صلاح البناء 


بحلول العاشر من شهر رمضان في السنة العاشرة للبعثة الشريفة رحلت أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى بنت خويلد (عليها السلام)، وقيل كانت وفاتها بعد ثلاثة أيّام من وفاة أبي طالب (عليه السلام ) زعيم قريش وعم النبي الأعظم صلى الله عليه وكافله . ولشدة تأثر النبي الأكرم بهذا الحدث الجلل اطلق على ذلك العام (عام الحزن) . 

السيدة خديجة الكبرى هي أوّل أزواج النبي وام فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين  (عليها السلام) ومصدر ذريته، ولم يتزوَّج غيرها في حياتها، إكراما واحتراما واعتزازا بها، كما أنها أول إمراة في الإسلام ولها السابقة بذلك .

كانت سيدة موسرة سليلة مجد وعز لا يضاهى، وأهلها ذوو تجارة واسعة تطرق أبواب الشام واليمن، وقد آلت إليها أموال ضخمة من تجارتها مع أهلها وذويها. وكانت (رضوان الله عليها ) تسمى في الجاهلية الطاهرة  لشدّة عفافها، وتسمى ايضا سيدة نساء قريش.

تولى النبي شؤون تجارتها، بعد أن تاجر بمالها ذات مرة وعاد بخير وفير، لتتلمس به (ص) البركة وأنه شخص عظيم، لذا عندما خطبها أبو طالب من والدها خويلد بن أسد الأسدي القرشي لتكون زوجة لإبن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله) سارعت بالموافقة، وبذا امتلأ بيتها بهجة وسرورا باقترانها بالبيت الهاشمي والذرية الطاهرة. 

وعندما صدع النبي الأكرم برسالته العظيمة وجدها تقف خلفه كالطود العظيم، داعمة إياه بنفسها وكل ما تملك، فلا غرو أن تكون هي السند الأول لبذرة الإسلام، لذا أكرمها الله تعإلى بأن جعل ذرية النبي (ص) منها. 

وخلال سنوات الدعوة الأولى، الشديدة القساوة على البيت النبوي من خلال ما  كان يتعرض له الرسول من معاناة وايذاء وتكذيب من قبل رموز الكفر، كانت السيدة خديجة تقف مع زوجها في الخندق الأول وتشاركه آماله وتخفف عنه آلامه وتتحمل معه شظف العيش، بعد أن بذلت في سبيل الدعوة إلى الإسلام كل ما ملكته من أموال طول حياتها، حتى باتت تنام على حصير بسيط في دارها، وهي المرأة التي كانت تعيش بوسط الترف والرفاهية، لتضرب بذلك أروع الأمثلة للمرأة المؤمنة الصابرة، فكانت هي أحدى جناحي حماية الرسالة إلى جانب كافل النبي وراعيه أبو طالب عليه السلام .

رحلت هذه السيدة الأبية بعد وفاة أبي طالب بأيام قليلة، وانكشف ستار الجهاد النبوي بعد هذا الرحيل، ليطلق النبي (صلى الله عليه وآله) على ذلك العام (عام الحزن)، وكأن الله لا يريد لنبيه أن يكون من دون حامي يذود عنه ويكشف عنه مؤامرات الأعداء فاسعفه بعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، ليكون الحامي والمدافع عن حرم الرسالة بعد رحيل ابيه رضوان الله تعإلى عليه، ليعلنها النبي صرخة تستمر عبر الأجيال " ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب". 

كانت هذه السيدة الجليلة نعمة من نعم الله عز وجل على الرسول (ص)، فكانت صورة رائعة للمرأة الصالحة، وفخرا لكل امرأة. امتدت حياتها مع النبي (ص) خمسة وعشرين عاما متصلة، وقد آزرته في أحرج أوقاته، واعانته على إبلاغ رسالته، وهونت عليه الصراع مع مشركي مكة، تواسيه بنفسها وما تملك، وتجاهد معه كما لم يجاهد كثير من الرجال. 

لم يتحدث عنها (ص) إلا بحب عميق، فقال عنها: "ما أَبدلني اللَه خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجلَ ولدها إذ حرمني اولاد النساء". و قال أيضا حسبك من نساء العالمين: "مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية إمرأة فرعون".

ومما جاء في فضلها أيضا عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّ جبرئيل (عليه السلام) قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.

وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام) .

ولما توفيت نزل الرسول (ص) إلى قبرها وصلى عليها يوم لم تكن هناك صلاة مشرعة للجنائز. فحري بنا أن نستذكر السيدة خديجة الكبرى كلما شعرنا بعزة الإسلام وأهله، فهي صاحبة الفضل الأول على كل مسلم .