مراقبون لـ { الصباح }: الإصلاح الضريبي تعزيزٌ للعدالة وتقليلٌ للفساد

بغداد : مهند عبد الوهاب
رأى برلمانيون وخبراء في الاقتصاد ومهتمون في الشأن السياسي، أن الجهود الحكومية الحثيثة وخصوصاً في المجال الضريبي تُسهم بتحقيق إصلاحات اقتصادية مستدامة وتعزيز العدالة الاجتماعية وتقليل الفساد، وأن ذلك يعدُّ أحد المحاور الرئيسية التي تسعى الدولة إلى تطويرها لتعزيز الشفافية وتحسين بيئة الاستثمار، مؤكدين أن العراق شهد في السنوات الأخيرة تحركات جادة نحو رقمنة النظام الضريبي، مما يهدف إلى تقليل التداخل البشري، وتعزيز الحوكمة، وزيادة الإيرادات غير النفطية.
وأطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، نظام الاستعلام الضريبي الرقمي للأفراد والشركات، ضمن مساعي الحكومة إلى تحسين الكفاءة الضريبية، وتقليل الفساد، وتشجيع الامتثال الضريبي.
عدالة اجتماعية
نائب رئيس لجنة التنمية والاستثمار النيابية، حسين السعبري، قال لـ"الصباح": إنه "في إطار التزام الحكومة بتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتعزيز العدالة الاجتماعية، جددت سعيها لإطلاق برنامج الإصلاح الضريبي الشامل، الذي يهدف إلى بناء نظام ضريبي أكثر كفاءة، يحقق التوازن بين تحفيز الاستثمار، وضمان العدالة في توزيع العبء الضريبي، وتعزيز الإيرادات العامة لدعم التنمية والخدمات الأساسية".
وأضاف، أن "من أهداف الإصلاح هو تحقيق العدالة الضريبية من خلال إعادة هيكلة النظام الضريبي ليصبح أكثر تصاعدية، بحيث يُسهم الجميع وفقاً لقدرتهم الاقتصادية، مع ضمان عدم تحميل الفئات الأكثر احتياجاً أعباء إضافية وتحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي عبر تقديم حوافز ضريبية مدروسة تدعم الأنشطة الاقتصادية المنتجة، وتساعد في خلق فرص عمل، وتعزز تنافسية الاقتصاد الوطني".
وأشار، إلى أن "الحكومة تسعى إلى توسيع القاعدة الضريبية عبر تحسين آليات التحصيل، وتقليل الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي قد تؤثر في الفئات الأقل دخلاً، مع تعزيز الامتثال الطوعي من خلال إجراءات مبسطة وعادلة ومكافحة التهرب الضريبي تأتي من خلال اعتماد تقنيات حديثة في الرقابة، إضافة إلى تطوير التشريعات لضمان مساءلة عادلة لمن يتهربون من التزاماتهم الضريبية، مما يعزز الشفافية ويضمن عدالة المنافسة بين جميع الشركات والمكلفين".
وأوضح السعبري، أن "تحسين الإدارة الضريبية يأتي عبر تبسيط الإجراءات، والانتقال إلى النظام الرقمي في تقديم الإقرارات وسداد الضرائب، بما يقلل من البيروقراطية، ويزيد من كفاءة الإدارة الضريبية".
وأكد، أن "هذا الإصلاح يتم وفق نهج تشاركي يراعي آراء جميع الأطراف المعنية، من قطاع خاص، ومجتمع مدني، وخبراء اقتصاديين، لضمان أن تكون السياسات الضريبية داعمة للنمو الاقتصادي، ومتوافقة مع أفضل الممارسات الدولية، وتحظى بتأييد مجتمعي واسع".
وتابع السعبري: "لذلك؛ يجب أن نسعى إلى الالتزام بأن يكون الإصلاح الضريبي أداة لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان الاستقرار المالي للدولة، بما يعود بالنفع على جميع المواطنين، ويدفع بعجلة الاقتصاد نحو مزيد من الازدهار".
شفافية وحوكمة
من جانبه، قال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، في حديث لـ"الصباح": إن "الاستعلام الضريبي الرقمي يمثل خطوة نوعية نحو تقليل مخاطر التداخل البشري في التقييم الضريبي للمكلفين، لما يوفره من شفافية وحوكمة عالية"، مبيناً أن "هذا النظام يقلل من فرص المساومات بين أطراف العلاقة الضريبية، كما يتيح تتبع جميع العمليات الضريبية بشكل سلس، مما يمنع تعطل الإجراءات لدى أي طرف محدد".
وأوضح، أن "النظام الجديد سيُسهم في تعظيم الموارد الضريبية من خلال ربط المعاملات التجارية والمالية بالهيئات الضريبية، مما يقلل من معدلات التهرب الضريبي بشكل كبير"، وأضاف، أن "الاستعلام الضريبي الرقمي سيحقق هدفين رئيسيين القضاء على الفساد الإداري والمالي، وتعظيم الإيرادات المالية للدولة وهو من متطلبات البنية التحتية لإنجاح الإصلاح الضريبي".
وأشار صالح، إلى أن "نجاح هذا النظام الرقمي يعتمد على توفير قاعدة متكاملة من البنية التحتية، تشمل الرقم الضريبي للمكلفين، وأنظمة إنترنت متقدمة، ومنصات إلكترونية لإدخال البيانات، بالإضافة إلى مراكز متطورة لاستلام المعلومات والدفع الإلكتروني". وأكد أن "الحكومة حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال من خلال تنفيذ برامج الحوكمة الإلكترونية للفعاليات المالية".
رؤية ستراتيجية
عضو لجنة الإصلاح الضريبي، ورئيس "مؤسسة أصول للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة"، خالد الجابري قال لـ"الصباح": إن "اللجنة العليا للإصلاح الضريبي وضعت خطوات ستراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الأجنبية".
وأشار إلى أن "اللجنة، برئاسة مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الدكتور عبد الحسين العنبكي، أطلقت سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين بيئة العمل الضريبي في
العراق".
وأوضح، أن "الاجتماعات الأسبوعية المنتظمة للجنة تُسهم في إصدار قرارات تصب في مصلحة المواطن وتساعد في تسهيل الإجراءات الضريبية، مما يجعل من العراق بيئة استثمارية أكثر جاذبية، كما شملت الإصلاحات تحديث الأنظمة الضريبية، وإنشاء منصة استعلام ضريبي رقمية، واعتماد آليات تقدير ذاتي وتدقيق لاحق لضمان الشفافية في التعاملات الضريبية".
وتابع الجابري: إنه "كان من الضروري إتمام الجانب التشريعي من خلال اقتراح قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي يتماشى مع البيئة العالمية للأعمال، ويُسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية عبر توفير بيئة قانونية مرنة"، مبيناً أن "هذا القانون يستبدل النظام القديم الذي كان يعتمد على التخمين بنظام أكثر شفافية يتيح للمكلفين معرفة التزاماتهم الضريبية مسبقاً، مما يُسهم في تعزيز الامتثال الطوعي للضرائب".
وأضاف، أن "القانون الجديد يعكس أفضل الممارسات الدولية ويضع العراق في مسار الانضمام إلى النظام الضريبي العالمي المتطور، مما يزيد من جاذبيته كوجهة استثمارية". كما أشاد الجابري، "بالدعم الحكومي المتواصل لهذه الإصلاحات، إلى جانب جهود الدكتور العنبكي في تعزيز الإيرادات غير النفطية وتمكين القطاع الخاص".
ثورة رقمية
الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش، رأى في حديث لـ"الصباح"، أن "إطلاق خدمة الاستعلام الضريبي عبر بوابة إلكترونية سيُسهم في تقليل الحاجة إلى المراجعات المباشرة للدوائر الضريبية، مما يسهل على المكلفين معرفة موقفهم الضريبي دون الحاجة إلى الحضور الشخصي". كما أشار إلى أن "القانون الضريبي الجديد يتضمن إعفاءات لبعض الفئات وتحديثات تتعلق بملكية العقارات وتقييمها، وهو حالياً قيد المراجعة في مجلس الدولة تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب".
من جانبه، قال الخبير المالي والاقتصادي، الدكتور صفوان قصي، في حديثه لـ"الصباح": إن "الحكومة تسعى إلى توسيع دائرة التحاسب الضريبي على جميع المكلفين، وإعادة النظر في السماحات الضريبية، مع تحفيز بعض القطاعات الاقتصادية بالإعفاءات"، كما أشار إلى أن "معظم القطاع الخاص في العراق غير نظامي، مما يستدعي تطوير آليات تسجيل الشركات وربطها بالنظام الضريبي لضمان تحقيق العدالة في فرض الضرائب".
وشدد "على ضرورة تفعيل الرقابة الإلكترونية لمتابعة الدخل الفعلي للمكلفين، ومنع محاولات إخفاء الإيرادات عن التحاسب الضريبي، خاصة في القطاعات التجارية والمهنية".
تطوير بيئة الأعمال
ويرى الكاتب والصحفي، هادي جلو مرعي، في حديثه لـ"الصباح"، أن "الإصلاحات الضريبية والانتقال إلى الحوكمة الإلكترونية تتماشى مع سياسات حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تطوير بيئة الأعمال وتعزيز الاستثمارات الداخلية والخارجية". وأشار إلى، أن "العراق يشهد ثورة في المجال الرقمي، ما يعزز من فرص محاربة الفساد، وتحسين الإجراءات الحكومية، وزيادة الثقة في القطاع المالي والمصرفي"، كما أكد أن "نشر الوعي حول أهمية التحول الرقمي والإصلاح الضريبي سيمكن المواطنين والمستثمرين من التفاعل الإيجابي مع هذه التغيرات، مما يُسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو المستدام". وعدّ، أن "خطوة الإصلاح الضريبي في العراق، أساسية نحو تحقيق الاستدامة المالية وتعزيز مناخ الاستثمار، إذ يُسهم في زيادة الإيرادات غير النفطية، وتقليل التهرب الضريبي، وتحقيق العدالة الضريبية"، وأكد مرعي، أنه "مع استمرار الحكومة في تنفيذ خططها الرقمية والحوكمة الإلكترونية، وسيشهد النظام الضريبي مزيداً من التطوير والشفافية، مما يضع العراق على مسار اقتصادي أكثر استقراراً وجاذبية للاستثمارات المحلية والدولية".