الماجينه.. كيف تحتفظ الطقوس الشعبية بتراث رمضان ؟

ثقافة شعبية 2025/03/13
...

عادل العرداوي


مع حلول شهر رمضان المبارك، تتجدد الطقوس التراثية التي ورثناها عبر الأجيال، فتتزين لياليه بالأجواء الروحانية والممارسات الشعبية المتوارثة منذ القدم. ومن بين هذه العادات الرمضانية الأصيلة "الماجينة"، ذلك الطقس الفولكلوري الذي يجسد روح التكافل والفرح، ومازال حاضرًا في بعض الأحياء الشعبية رغم تغير الزمن.

تاريخ الماجينة وأصولها

تعود جذور "الماجينة" إلى عصور قديمة، حيث كانت جزءًا من الاحتفالات الشعبية بذكرى ولادة الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في منتصف رمضان. يجتمع الأطفال في الحارات والأزقة، يجوبون المنازل في مجموعات، مردّدين أهازيج خاصة يطلبون بها الحلوى والمكافآت من الأهالي، الذين يستقبلونهم بفرح وسخاء، في مشهد يعكس القيم الاجتماعية المرتبطة بالعطاء والبهجة.


طقوس الماجينة وأهازيجها

يحمل الأطفال معهم أكياسًا صغيرة يجمعون فيها ما يُقدَّم لهم من حلويات أو مكسرات أو حتى قطع نقدية بسيطة. يطرقون الأبواب مردّدين أهازيج شعبية مميزة، منها:


"ماجينه.. يا ماجينه

حلّي الجيس وأطينا

تطونه لو ننطيكم

لبيت مكة نوديكم"

وإذا تأخر أصحاب البيت في الاستجابة، يزيد الأطفال من حماسهم مرددين:


"يهل السطوح.. تنطونا لو نروح؟"

وبينما تكون الأجواء مفعمة بالفرح والمرح، قد تحدث بعض المفاجآت غير المتوقعة، حيث يلجأ بعض أهل البيوت إلى سكب الماء على الأطفال من الأسطح، في محاولة للمزاح وإضفاء روح الدعابة. حينها، يعبّر الأطفال عن احتجاجهم بطريقتهم الخاصة، مردّدين بصوت واحد:


"ذبوا علينا الماي يا بيت الفگَر!"

ورغم أن هذه العبارة تُقال بروح الدعابة والمشاكسة الطفولية، فإنها تزيد من متعة التجربة وتجعلها محفورة في الذاكرة.


الماجينة بين الماضي والحاضر

في الماضي، كانت "الماجينة" أكثر انتشارًا، وكان الجميع يشارك فيها بروحٍ جماعية حقيقية، حيث تجوب الجموع أحياء بأكملها حتى منتصف الليل، ثم يجلس الأطفال لتقسيم ما جمعوه في نهاية الجولة، وسط أجواء من البهجة والمرح. أما اليوم، فقد تضاءل انتشار هذه العادة في المدن الكبرى بسبب تغيّر أنماط الحياة، لكنها لا تزال حاضرة في بعض المناطق الشعبية، حيث يحاول الأهالي الحفاظ عليها كجزء من التراث 

الرمضاني.

"الماجينة" ليست مجرد عادة فولكلورية، بل هي تعبير عن روح رمضان المتوارثة، حيث يجتمع الفرح والكرم والتواصل الاجتماعي في مشهد يعيد إلى الأذهان ذكريات الطفولة العذبة. فهل ستظل هذه العادة صامدة أمام تغيرات العصر، أم ستبقى مجرد ذكرى جميلة في وجدان من عاشوها؟