وجدان عبد العزيز
العبادة في الإسلام وسيلة من وسائل الاتصال بالذات الإلهية، وهذا الاتصال يعني الأخلاق والطريق المستقيم وحسن المعاملة، وكل ما يجعل الحياة جميلة ومستقيمة، فالعبادة هي كلّ ما يحبّه الله -تعالى- من الأقوال والأفعال ما ظهر منها وما بطن، ويُمكن تقسيمها إلى عبادات قلبيّة وبدنيّة.
والعبادات القلبيّة، هي الحبّ والخوف والرجاء، مضافاً إليها الرّهبة والرّغبة، والتوكّل والإنابة . فالخوف والرجاء والحبّ، بمثابة الركائز الثلاث الأساسيّة لأيّ طاعة من صلاة وصيام، وصدقة وحجّ، ويتقرّب بها العبد إلى الله -تعالى- ويرجو بها ثوابه، فيعبده حبّاً فيه، وهي روح العبادة، وخوفاً من عقابه ورجاء ثوابه .
والرّجاء سيّد كلّ فضيلة، ويأخذ به الإنسان مأخذ الجَدّ في العبادات، فالإسلام جعل لكل عبادة معنى ومضمون، وإنّ كلّ عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لها، يقول الله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون"(البقرة: 183)، وتقوى الله: مخافته، ووقاية النفس من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح، لذا جعل الصيام إمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنيّة خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة للنفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة.
كما أنّه يعني ايضا الكفّ عن اللغو والغيبة والنميمة والكذب وقول الزور، وكذلك تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل، ومن هنا تتجلى فوائد الصيام، من خلال زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة وتزكية البدن وتضييق مسالك الشيطان، وذكر الله من خلال الخوف والرجاء، إلى جانب التمسك بحدود الله والطاعة، وكسر الشهوة الجنسية، والشعور بحالة الفقراء. اذن الصوم تدريب عملي للصائم على الامتناع باختياره وإرادته عن تلبية رغباته وشهواته لفترة معينة، وأن يعلو على غرائزه، وبتكرار هذا السلوك يصبح طبعًا راسخًا في حياة الفرد، وبهذا نتربّى على مراقبة الله في أعمالنا، ومن ثمّ نتقنها، وهكذا تسمو عبادة الصيام بالإنسان، ويصبح شهر رمضان، الشهر الكريم، التي تنقى به النفس الإنسانية وتسمو، لتقترب من حالة الإشراق الروحي . ونزول القرآن الكريم في هذا الشهر الفضيل، زاده شرفا، ليكون هداية للبشرية جمعاء، وتبيانًا وافيًّا شاملاً كاملاً لمراد الله تعالى من الخلق، وتعريفًا لهم بغاياتهم وشرعتهم ومنهجهم ومآلاتهم ومصيرهم . كما ان هناك معطيات صحية مهمة اكتشفها العلم الحديث، ممكن ان تضاف للمعطيات الروحية والنفسية، فالصيام يؤدي الى استهلاك احتياطيات الدهون وينظف الجسم من السموم الضارة التي يمكن أن تتواجد في التراكمات الدهنية، حيث يقوم الجسم بالتخلص منها بشكل طبيعي نتيجة التغير الذي يطرأ على عمل الجهاز الهضمي على مدار الشهر، حين يقوم الصيام باستهلاك احتياطيات الدهون، وينظف الجسم من السموم الضارة التي يمكن ان تتواجد في تلك التراكمات، وبالتالي يقوم الجسم بالتخلص من السموم بشكل طبيعي، لوجود خلايا تقوم بالتهام اي خلية ميتة والتخلص منها باستعمالها وقودا للطاقة التي يحتاجها الجسم اثناء الصيام، الامر الذي يتيح للصائم فرصة مواصلة اتباع اسلوب حياة صحي بعد هذا الشهر الفضيل .