علي حسن الفواز
ما تحمله الأخبار من إثارة، ومن صخب، ومن كوارث، يكشف عن خطورة إدارة ملفات السياسة والأمن، التي أسبغت على «الشرق الأوسط» سمة الجغرافيا الملعونة، فالحروب مفتوحة، والأطماع مفتوحة، ومظاهر العنف والخراب و»القتل الهوياتي» مفتوحة، وكأن هذه الفتوحات ستكون هي العنوان الأخلاقي والسياسي الذي يريده الغرب في توصيف إنثربولوجيا الشرق الجديد.
ما يحدث في سوريا من فواجع دامية، وما يحدث في غزة، يمثلُ بعضاً من الصورة المتخيلة لهذا الشرق، فبقدر ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم تهدف إلى تحويل الجغرافيا العربية إلى جحيم، عبر العدوان والاستيطان والطرد والقتل الممنهج وقضم الأرض، فإن الولايات المتحدة تعمل على صياغة واقع جيوسياسي واقتصادي وأمني رخوٍ وهشٍ، قابل للسقوط في أزمات مفتوحة، من خلال تغذية سياسات دعم هذا الكيان، والسيطرة على الممرات، وعلى البنوك والأسواق والمنصات ووسائل الإعلام.
السردية الاقتصادية الجديدة في الشرق الأوسط لن تكون بعيدة عن “المتخيل السردي” الأميركي، ولا عن التحولات التي ستعصف بالواقع العربي، عبر صناعة الأزمات والحروب الصغيرة، التي ستجعل من الجماعات الإرهابية أدواتها، في تغويل العنف، وفي إعادة توصيف هويات الدول التقليدية، فحركة رأس المال وسياسات “صندوق النقد الدولي”، ستفرض شروطها على هذه الجغرافيا، وعلى الممرات الجديدة، وتجعلها طرقا سحرية للغاز وليس للحرير المثيولوجي، وهذا ما يدفع تلك الحروب لأن تتحول إلى “رساميل متحركة” وعمليات فاضحة للطرد الديموغرافي، ولفرض اقتصاد السياسة على اقتصاد الأرض، من دون النظر إلى الضحايا، وإلى يوميات القتل الطائفي، والتجريف السياسي، وكل هذا يحدث تحت أنظار منظمات العالم الدولية، ورقابة المجتمع الدولي، وكأن ما يجري هو تمرين على إعادة تقسيم العالم بين الشرق والغرب.
يطرح الغرب الرأسمالي الجديد سياسات للسيطرة على عالم الثروات، وعلى الأسواق والمعلومات والتطبيقات، وحتى على تشكيل أنماط الاستهلاك والمستهلكين، وهذا ما دفع ترامب إلى اختيار الملياردير إيلون ماسك ليكون مسؤولا عن “ إدارة الكفاءة الحكومية” وضبط إيقاع حركة المال والإدارة في تلك السياسات، وربما لدعوته للتفكير بإعادة قراءة ملفات الاستشراق، سياسيا وإنثربولوجيا، وإخضاعه إلى ما هو سري في البرامج والتطبيقات التي يمكن أن تدخل في مناهج الدرس، وفي عمل مراكز البحوث، ومعاهد تكنولوجيا المعلومات، على وفق ستراتيجيات مغايرة، يشتبك فيها السياسي مع الفقهي والاقتصادي، وباتجاه يجعلها أكثر تورطا في تغويل العنف الطائفي والاجتماعي، عبر تغذية الصراعات الأهلية في الشرق، وعبر تغريب ثقافات التنوع والتعدد، لتتحول إلى ثقافات عدائية وكراهيات، لها من يوجهها، ومن يستخدمها في صناعة جحيم الشرق الجديد.