منطقتنا وتضخم الرعب

قضايا عربية ودولية 2025/03/17
...

علي حسن الفواز



يُثير تضخم الأحداث في المنطقة العربية كثيرا من الأسئلة، حول المسؤولية عن هذا الضخم، ومدى تأثيره في الأمن القومي، وفي هوية الخنادق المتورطة بأسبابه وصراعاته، فاستمرار العدوان الصهيوني على غزة، وتعقيد حسابات الوقف الشامل لإطلاق النار، وفرض سياسة الحزام الأمني في جنوب لبنان، ليس بعيدا عن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب البدء بضربات عسكرية واسعة على اليمن، حتى بدا الأمر وكأن هذه «المتلازمة» قد تحولت إلى ستراتيجية جيوسياسية، تجعل من مشروع التضخم الأمني جزءا من الرهان على صناعة رعب «جحيم الشرق الأوسط»، وعلى إعادة ترتيب خارطة المنطقة، وفرض معادلات سياسية وأيديولوجية، تجعل من الولايات المتحدة القوة الضاغطة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وإخضاع كلّ مشاريع الاتصالات والمفاوضات إلى حسابات نظريتها الأمنية.

ما يحمله المشهد السوري من تعقيدات، ومن إجراءات قد تُنذر بصراع أهلي، يقابله توغل “صهيوني” في الأرض، تحت يافطة صناعة الحواجز الآمنة، وعلى نحوٍ يعكس طبيعة توسّع “وقائع النحس” التي تجري في المنطقة، مع هشاشة أيّ إجراء دولي وإقليمي لمواجهة هذا “التضخم المريب”، وما يتبعه من وضعٍ غير إنساني يهدد الشعبين الفلسطيني واللبناني، لاسيما أن الولايات المتحدة لا تملك إلا قراءة واحدة لهذه الملفات، تقوم على فكرة إطلاق يد الكيان الصهيوني الأمنية في مقاربة شروط اللعبة السياسية، كخيار للالتزام بسياقاتها ومضامينها، على مستوى استمرار تبادل إطلاق الأسرى والرهائن، أو على مستوى وصول المساعدات الإنسانية والأدوية إلى قطاع غزة والشروع بإعماره، فضلا عن الانسحاب الكامل من الجنوب اللبناني.

البحث عن مسارات جديدة، يعني البحث عن تعقيدات جديدة، وعن شروط أكثر صعوبة، للحد من تضخم ظاهرة العنف الأمني والسياسي، لاسيما أن ما يحدث يجد في تشظي المركزيات الديموغرافية والهوياتية مجالا لتحويل التضخم الأمني إلى تضخم إنثربولوجي، قد يهدد المكونات الطائفية والقومية والدينية في المنطقة بحروب أهلية أكثر صعوبة، وأحسب أن ما يحدث في سوريا قد يكون إنذارا لإطلاق شرارة هذا التضخم المرعب، وفتح الأبواب على فرضية جحيم الشرق، كما أن ما يحدث في السودان واليمن ليس بعيدا عن سياسة رعب تلك الفرضية، بالاتجاه الذي سيجعل الجميع أمام عالم معقد، يتخلى فيه الكبار عن حروبهم الكبرى السياسية والتجارية والجغرافية، لصالح البدء بحروب صغيرة، ضحاياها من الشعوب والدول التي تُخضعها السياسات الكبرى إلى سرديات الهيمنة، وإلى أطروحات ما بعد الكولنيالية، حول التابع الذي ينبغي أن يظل تابعا، في السياسة والثقافة، 

وفي العلاقة مع الآخر.