تشريعات للحد من ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية

الثانية والثالثة 2019/07/09
...

بغداد/ أحمد محمد 
يسعى البرلمان العراقي لإجراء تعديلات على قانون زراعة الأعضاء البشرية وهي الأولى من نوعها لتنظيم هذه العمليات في الاطر القانونية والعمل على الحد من ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية وخلق مساحة لبعض المرضى للعلاج في داخل العراق شريطة حماية حقوق الطرفين بدل الذهاب نحو الدول الأخرى لإتمام عمليات الزراعة مع مراعاة الجانب القانوني والديني لها. يقول عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية الدكتور جواد الموسوي في تصريح خاص لـ"الصباح": "هناك قانون خاص لزراعة الاعضاء البشرية في العراق، ولكن ومع الاسف بعض فقرات هذا القانون تصعب من عملية إجراء الزراعة داخل البلد وهذا ما يدفع المرضى الى تحمل مبالغ مالية عالية لغرض إجرائها خارج العراق، فضلاً عن أساليب الغش والخداع التي يتعرض لها المريض أثناء السفر ما لا يضمن حمايته صحيا خاصة بما يتعلق بزراعة الكلى وقرنية العين وغيرها من الأعضاء الأخرى التي تتم زراعتها خارجاً".
ولفت عضو اللجنة، "لقد ارتأينا وفق أطر قانونية وشرعية تعديل بعض فقرات القانون لتسهيل عملية زراعة الأعضاء داخل المستشفيات الحكومية وحماية المريض وحق المتبرع والحد من عملية الاتجار بالأعضاء البشرية التي اتخذها البعض غطاء للمتاجرة غير المشروعة وأخذ متبرعين خارج البلد أو الى إقليم كردستان لإجراء العمليات".
ويضيف الموسوي، ان "التعديلات على قانون زرع الاعضاء البشرية هي لضبط عملية التبرع والزراعة بشكل قانوني داخل العراق وحماية صحة المرضى وحق المتبرع".
 
حديث الطب
من جانبه، يؤكد عضو نقابة الأطباء الدكتور سعد بداي في تصريح خاص لـ "الصباح" ان "التعديلات التشريعية تأتي للحد من المشكلات والنقوصات التي لم تعالجها التشريعات السابقة خاصة بما يتعلق بقانون زراعة الأعضاء الذي يتألف من عدة جوانب مهمة أولها الجانب الشرعي المتعلق بموافقة الشخص المتبرع وضمان حقوقه، والجانب الآخر المتعلق بالجوانب الطبية المترتبة على الأضرار التي تحدث أثناء إجراء العملية، لذا كان على الجهات التشريعية إجراء التعديلات بما يضمن حقوق كلا الطرفين خاصة ان من يقوم بهذه العملية (الطبيب)، والحد من الاتجار غير الشرعي المتعلق بزراعة الأعضاء خارج الأطر التشريعية والقانونية سواء من ناحية المتاجرة أو الاتجار بالأعضاء في ظل وجود العولمة التكنلوجية التي سهلت من عملية تبادل المعلومات وتقديم العروض والاتفاق المبطن الذي يسهل من عملية بيع وشراء الأعضاء البشرية".
ويشير بداي، إلى أن "تعديل فقرات القانون المذكور سيحد بشكل كبير من الانتهاكات التي يتعرض لها المريض والمتبرع أثناء العملية فضلاً عن القضاء على السوق السوداء التي استحدثها المغرضون لاستغلال حاجة المرضى لإجراء مثل هكذا عمليات خارج العراق".
ويبين، ان "إيجاد التشريعات المناسبة في المجال الطبي سيجنب العاملين في هذا المجال أي مساءلة قانونية، كما سيمنح هذا القانون نقابة الأطباء كشف وتحديد الطبيب الذي يقوم بالعمليات بطريقة غير شرعية لاتخاذ الاجراءات الخاصة بحقه من قبل النقابة".
ويؤكد دكتور بداي في ختام حديثه لـ"الصباح"، أن "كل قانون سيشرع ويتعلق بالأطباء سيطبق من قبل نقابة الأطباء لضمان حقوقهم وحماية المرضى وفق أطر شرعية وقانونية".
 
تفاصيل القانون
المستشار القانوني رامي أحمد الغالبي، يشرح في تصريح لـ"الصباح" خلفيات القانون وجذوره، ويقول: "لقد صدر قانون رقم 11 عام 2016 الخاص بـ (تنظيم زراعة الأعضاء البشرية ومنع ومكافحة الاتجار بها) الذي ألغى بدوره ما سبق من تشريعات متعلقة بالأعضاء البشرية وهما قانون مصارف العيون رقم (113) لسنة 1970 وقانون عمليات زرع الأعضاء البشرية رقم (85) لسنة 1986".
ويوضح الغالبي، ان "الأسباب الموجبة لهذا القانون هي تنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية لتحقيق مصلحة علاجية راجحة للمرضى والحصول على الأعضاء البشرية من جسم الانسان الحي بالتبرع حال حياته أو من جثث الموتى بالوصية بعد وفاته، ومنع بيع الأعضاء البشرية والاتجار بها من خلال فرض عقوبات رادعة عند المخالفة، حيث جاء في القانون رقم (11) لسنة 2016 حظر استئصال أو تبرع بعضو بشري ولو كان بإرادة المتبرع إذا كان يسبب له ضرراً جسيماً أو تسبب في موته، وفق ما نصت عليه المادة (5/ثانياً) من القانون".
 
عقوبات رادعة
من جانبها بينت المحامية ندى النوري لـ"الصباح"، أبرز العقوبات التي فرضها القانون المذكور في حالة عدم تطبيقه بالشكل الصحيح، وقالت: "لقد نص القانون على ما يلي (يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (7) سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن (5000000) خمسة ملايين دينار ولا تزيد على (10000000) عشرة ملايين دينار كل من استأصل أو زرع أحد الأعضاء البشرية أو انسجته خلافاً لأحكام المواد (5) و(9) و(11) من هذا القانون)، كما عاقب القانون بـ (السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن (20000000) عشرين مليون دينار ولا تزيد على (40000000) أربعين مليون دينار إذا ترتب على عملية نقل الأعضاء خلافاً للضوابط القانونية موت المتبرع)، وفق ما جاء بنص المادة (19) من القانون".
وتضيف النوري، "أما بالنسبة لنقل الأعضاء البشرية من الأموات فأوجب القانون أن يكون ذلك بوصية من قبل المتبرع قبل وفاته مضافاً الى ما بعد الموت مقتضاها التمليك دون عوض، وقد عاقب القانون وفق أحكام المادة (20) بـ (الحبس مدة لا تزيد على (3) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (2000000) مليوني دينار ولا تزيد على (5000000) خمسة ملايين دينار كل من استأصل عضواً او جزءا منه أو نسيجا من ميت دون وجود وصية منه أو وفقاً للموازين الشرعية)".
 
الطبقة الفقيرة
ويعود المستشار القانوني الغالبي ليكمل حديثه لـ"الصباح"، مؤكداً ان "القانون أجاز للمحاكم المختصة اتخاذ التدابير الاحترازية المتعلقة بالطبيب وفق نص المادة (22) وحرمانه من مزاولة المهنة مدة لا تقل عن خمس سنوات، فضلاً عن غلق المستشفى الأهلي أو المركز الأهلي الذي ارتكبت فيه الجريمة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات، وسحب الإجازة في حالة تكرار المخالفة من المستشفى أو المركز الطبي الأهلي".
ويرى الغالبي، أن "القانون جاء بنصوص كان يمكن الاستغناء عن ثلثيها والاكتفاء بالثلث وفق المعايير القانونية التي اعتمدتها تشريعات أخرى، إلا أنه يعد حلاً ناجعاً نوعاً ما للحد من ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشرية التي أصبحت العائلات الفقيرة تمثل رأس المال لهذه التجارة البائسة والفتاكة بالنفس البشرية".
ويقترح المستشار القانوني على الجهات ذات العلاقة؛ "إضافة إلى تعديل بعض المواد القانونية في هذا القانون من ناحية الصياغة والطرح الموضوعي، إدراج خطوط ساخنة ومكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات حول عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية سواء من قبل المتضررين من عمليات الاستغلال المالي التي يمارسها تجار الأعضاء البشرية أو ممن تصل له المعلومة حول هذه الجرائم المنتشرة في ربوع البلاد مع الأسف الشديد، والتعامل بجدية مع المعلومة التي تصل الى الجهات المختصة بغية إحداث طفرة نوعية في عملية الحد من هذه الجرائم التي فتكت بالطبقة الفقيرة".
 
الرأي الديني والتشريعي
ومن الناحية الشرعية والدينية يوضح أستاذ الحوزة العلمية السيد عماد الموسوي في تصريح خاص لـ" الصباح"، أن "الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم أكدا أهمية الحفاظ على جسد الإنسان والحرص على ألا يصيبه الضرر إذ قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) ومن هذه الآية الكريمة تجد أهمية الكائن البشري وكل ما يتعلق به، لذا وردت الكثير من الايات القرآنية التي تؤكد ذلك ومن هذا المنطلق يجب على الإنسان أن يحترم جسده وألا يعرضه للتهلكة أو الضرر لذا تجد الإجابة صريحة وواضحة بأنه لا يجوز أن يعرض الجسد الى ضرر حتى وإن كان لإنقاذ شخص آخر، والدليل على ذلك ان الانسان حتى في مسألة الصيام أسقط المشرع الإسلامي الصيام عنه إذا كان فيه ضرر بليغ على جسد الانسان وصحته؛ هذا من ناحية الصيام فكيف إذا باع جزءا من أجزاء من جسده".
ويبين الموسوي، بأن "الفقهاء قد احتاطوا كثيراً بموضوع عدم جواز بيع الأعضاء البشرية حتى لو توقفت عليها حياة شخص آخر، وإن كان الشخص مسلطا على جسده وماله ولكن وفق الشريعة الاسلامية لا أن يتجاوز الخطوط الحمراء بأن يتبرع باحد أطرافه (اليد أو القدم)، كما أفتى جميع الفقهاء بحرمة بيع المني باعتباره جزءا من الانسان لفساد الانساب".
ويرى الموسوي خلال حديثه لـ"الصباح" "أن هناك مخالفات صريحة في مجتمعاتنا بعدم التوافق بين الشريعة والقانون وذلك لأن كل شيء فيه منفعة شخصية واجتماعية، ولكن أجاز الفقهاء التبرع بالكلى إذا لم يكن هناك ضرر صحي وجسدي على المريض، إذ يمكن التبرع بها دون مقابل أو بيعها بمبالغ مالية على ألا تسبب ضرراً في جسد المتبرع، فالشريعة الإسلامية حرمت الإضرار بالنفس فإذا ضمن الإنسان عدم الضرر يجوز بيع بعض أعضائه".