مشكلة برلمانية!

الصفحة الاخيرة 2019/07/09
...

حسن العاني 
صحيح ان الكذب واحد, وصحيح انه ليس صفة سيئة فقط لكونه الصفة الاسوأ, سواء على المستوى الديني والشرعي, ام على المستوى الاخلاقي والاجتماعي, ولكن من الصحيح كذلك ان الكذابين ليسوا على مستوى واحد, ودوافعهم ليست واحدة, فمنهم من يبالغ في كلامه وقد يتمادى في المبالغة والكذب معاً, ومنهم من يلجأ الى الكذب بنوايا سليمة, أي لغرض الضحك والدعابة والمزاح, وفي العادة يكون هذا النوع مفضوحاً ومكشوفاً ومعروفاً لدى الآخرين, والآخرون هنا يراد بهم اصحابه واصدقاؤه, اي الذين يعرفون ان صاحبهم يمنح الجلسة قدراً كبيراً من المتعة والتسلية, لذلك فإن هذا النوع من الكذابين يكون محبوباً بين جماعته, خاصة وانه لا يبالغ ولا يكذب خارج مجلس الاصدقاء.. ومنهم بالطبع من يعمد اليه لاغراض التزوير او اثارة الفتنة او خلق مشكلة او التهرب او أي غرض يصبو اليه اصحاب النفوس المريضة... ومجال النشر لا يتسع للكلام عما يعرف بالكذبة البيضاء او الكذب الابيض وإبداء الرأي الشخصي حوله.
باتفاق شلتنا العجائزية التي باتت اعمارها (اكسباير) منذ عدة سنوات, كنا نطلق لقب (بهار الجلسة) على صديقنا الظريف (ابو قمر) فاليوم الذي يتخلف فيه عن الحضور الى المقهى, هو يوم عديم الطعم والنكهة, فقد كان الرجل موهوباً في المبالغة وصياغة الاخبار المفتعلة التي تجعلنا نضحك حتى تتقطع انفاسنا من الضحك.. انه فنان بمعنى الكلمة في اي حديث واي موضوع ينوي التطرق اليه, او خبر مصنوع ينقله الينا.. كان من البراعة حداً يدفعنا الى تصديق ما يقول مع علمنا سلفاً بحجم المزاح الذي يختفي وراء كلامه.. رجل يمتلك القدرة على اقناع المقابل بما يسمع, ولكن الغريب في هذا المشهد, ان كثيراً من الاخبار او المعلومات التي كنا نتعامل معها على انها مزحة او دعابة سرعان ما يتبين بعد يوم او يومين صدقها!! .
في احدى المرات كانت شلتنا المتقاعدة على عادتها تلتقي في مقهى الطرف بعد صلاة العشاء, وكان ابو قمر يهيمن على الجلسة وهو يروي لنا حكاية لا تخلو من غرابة بحيث شدتنا اليها بقوة عندما زعم بان مجلس النواب في اسبوع واحد عقد ثلاث جلسات اتسمت بحوارات ساخنة, وكاد الاختلاف في وجهات النظر يتحول من الصياح الى الايدي (ولا أشك يا جماعة بانكم تتصورون ان الخلافات حول اقليم البصرة مثلاً او وجود القوات الاجنبية في العراق او رواتب رفح او مشكلة البطالة او..او..) وذكر قائمة طويلة من الازمات والمشكلات دفعتنا الى مزيد من الحيرة, وهو يؤكد بان كل ما يمكن التفكير به, او ما يخطر على البال هو ليس ما جرى في البرلمان.. ثم اكمل حديثه (تصوروا يا اخوان.. النواب كانوا مختلفين حول العامل الذي يقدم القهوة للوزير الفلاني في الوزارة الفلانية, هل يجب ان يكون من حصة هذا الحزب او ذلك الائتلاف او تلك الكتلة) وضحكنا بما لا يتناسب مع شيبتنا قبل ان يفاجئنا احد افراد الشلة بسؤال قَلَبَ متعة جلستنا الى غم: يا جماعة شنو رأيكم اذا طلعت هاي المعلومة صحيحة!! .