وليد الحلي
يُعد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) نموذجًا خالدًا للعدالة الإنسانية والمساواة بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد تميّز بشجاعته وحكمته وعلمه ونبله، وكان مثالًا يُحتذى في الكفاح ضد الظلم والباطل والضلال، متحمّلًا في سبيل ذلك أقسى التحديات حتى ارتقى شهيدًا للحق والعدل، ومن هديه (عليه السلام) نستشرف المفاهيم الآتية:
1- مشروع العدالة الإلهية: مسيرة الإمام علي (ع) في نصرة المظلومين:
واجه الإمام (ع) محاولات متكررة لإعاقة مشروعه القائم على تحقيق العدالة الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان للمسلمين وغير المسلمين، وترسيخ قيم التسامح والعمل الخيري، وصيانة التعددية الفكرية، وتطوير العلوم لمجابهة تيارات الفساد والانحراف. ومع تصاعد الاعتراضات على نهجه، أصرّ على مبادئه قائلاً (ع):
"ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق".
2- مشروعه نشر العدالة الشاملة:
كان مشروع الإمام (ع) يسعى لنشر العدالة الشاملة، بحيث لا يُظلم فيها أحد، ولم يتوانَ في الدفاع عن حقوق الضعفاء والمستضعفين، مؤمنًا بأن العدالة هي أساس الحكم الصالح وأعظم ما يرنو إليه الإنسان في مجتمعه.
3- استقلالية مؤسسة القضاء:
أولى الإمام علي (ع) مؤسسة القضاء أهمية بالغة، إدراكًا منه لدورها المحوري في حماية المجتمع من الظلم، فجعل القضاء مستقلًا عن الأجهزة الأخرى، وحرص على اختيار القضاة وفق صفات دقيقة، أبرزها العلم والتقوى والعدل، لضمان حقوق الناس.
4- القضاء في عهده، ميزان الحق وحصن المظلوم:
لقد كان يرى في القضاء حصنًا منيعًا لكل مظلوم، وملاذًا ينشده أفراد المجتمع إذا ما وقعوا ضحية الظلم أو الجور، سواء أكان من عامة الناس أم من السلطة نفسها. ومن كلماته الخالدة في هذا السياق:
"إنَّ من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس".
5- راعي الوحدة وحامي القيم:
جسّدت سيرة الإمام علي (ع) حرصًا عظيمًا على تعزيز وحدة الأمة، والتصدي لكل أشكال التمييز العنصري والطائفي والقبلي والقومي. فقد كان يؤمن أن الأمة لن تنهض إلا بوحدة صفوفها، ومواجهة ما يهددها من فتن وتفرقة.
6- مواجهة التفرقة والظلم بالعلم والموعظة الحسنة:
لم يكن الإمام (ع) يقف مكتوف الأيدي أمام الانحرافات الفكرية والاجتماعية، بل تصدّى لها بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة، حرصًا على صيانة المجتمع من الانقسام والضياع. كان يرشد الناس برفق ويدعوهم إلى التآخي، مستشهدًا بقوله:
"الناس صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق".
7- القيادة بالحكمة والرحمة والإنصاف، علي (ع) صانع القلوب والأمم:
حين تولى الإمام علي (ع) الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص)، كانت أولويته إقامة العدل بين الناس، ونشر قيم الرحمة والإنصاف، وحفظ حقوق الجميع، مؤكدًا أن القيادة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سلطة.
لقد جعل الحكمة ركيزة أساسية في قراراته، محذرًا من التسرّع والانفعال في مواجهة الأزمات، فقال:
"الحكمة ضالة المؤمن".
وكان يُعلّم أصحابه حسن الظن بالآخرين، والبحث عن الخير في كل موقف، حيث قال:
"لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءًا وأنت تجد لها في الخير محتملًا".
8- غدر الخوارج، حين طُعنت العدالة في محرابها:
رغم ما عُرف عن الإمام علي (ع) من علم وتقوى وعدالة، واجه اتهامات ظالمة من الخوارج الذين زعموا أنه لا يعرف الحكم لله! وهو الذي قال فيه رسول الله (ص):
" أنا مدينة العلم وعلي بابها".
لقد كان الإمام أعلم المسلمين وأتقاهم وأشجعهم وأكثرهم حكمةً وعدلًا بعد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) لكن أصحاب الأهواء والمصالح لم يتقبلوا عدالته النقية التي لم تفرّق بين غني وفقير، أو قوي وضعيف.
9- (فزت ورب الكعبة) شهادة الحق في أقدس اللحظات:
في فجر يوم التاسع عشر من رمضان عام 40 هجري، بينما كان الإمام علي (ع) قائمًا للصلاة في محراب مسجد الكوفة، تسلل عبد الرحمن بن ملجم -أحد الخوارج- وضرب الإمام بسيف مسموم على رأسه، في لحظة اغتيال طعنت العدالة في أقدس مكان.
ظل الإمام (ع) يصارع آلامه ليومين، حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 هـ (27-1- 661م)، لتُطوى صفحة من أنبل صفحات التاريخ الإنساني.
وعندما تلقّى الضربة الغادرة، كانت كلماته الأخيرة: (فزت ورب الكعبة).
10- رحلة خالدة في درب الحق الصراط المستقيم:
رحمك الله أبا الحسن، فقد كنت أول الناس إسلامًا، وأخلصهم إيمانًا، وأشدهم يقينًا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله (ص).
لقد جسّد الإمام علي (ع) أسمى معاني العدالة والإنسانية، وظلّ عبر الأجيال رمزًا للنبل والحق والكرامة.