علي حسن الفواز
قد يكون خيار الدبلوماسية تعبيرا عن القوة، وقد يكون العكس، وربما يكون نوعا من المناورة، على مستوى كسب الوقت، أو على مستوى تقليل منسوب خيارات الحرب، وفتح أبواب الحوار بحثا عن حلول سياسية، عبر الدخول في محادثات تخفّ معها رهانات "صقور السياسة" لصالح القبول بالخسائر القليلة والمصالح الكبيرة.
ما يحدث بين الولايات المتحدة وروسيا، أو ما يحدث بين الولايات المتحدة وإيران، يكشف عن حجم الحراك الدبلوماسي، وعن معطياته في مواجهة أزمات سياسية عميقة، وصراعات وعقوبات وحروب مجاورة، تضع كثيرا من رهاناتها على النجاح الدبلوماسي، لكن تحقق هذا النجاح ليس سهلا، لأنه قرين بحسابات وحساسيات قد تجعل من الخيار الدبلوماسي تفريطا بحقوق قومية وسيادية، وهذا ما يجعل الحوار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة محفوفا بالتوتر، والقلق، والنوايا الغامضة.
الحوار الروسي – الأميركي له تاريخه العجائبي، فهو عالق بذاكرة رمادية تمتد لأكثر من سبعين عاما، مع بدء الحرب الباردة، وحرب الصواريخ والجغرافيا والأسلحة النووية، وأخيرا مع الملف الأوكراني، وهذا ما يجعل هذا الحوار موزّعا بين المد والجزر، أو بين السياسة والأيديولوجيا، وعلى نحوٍ يجعل من تداعياته أكثر صعوبة على أوروبا والعالم والشرق الأوسط، فما يحدث الآن من حوارات جانبية بين البلدين حول معالجة الملف الأوكراني، يكشف عن تعقيدات غامضة، تخص تحالفات الولايات المتحدة مع أوروبا التي ترفض الحوار مع موسكو، مثلما تخص الدخول في صراعات أخرى لها علاقة بالسياسات الأمنية والاقتصادية، وبمستقبل حلف الناتو، ووجود الولايات المتحدة في مؤسسته العسكرية.
وحتى الرسالة الأخيرة التي أرسلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي عن طريق المبعوث الإماراتي، تدخل في سياق البحث عن حلول دبلوماسية حول الملف النووي الإيراني، أو حول الملفات الأمنية في المنطقة، وهو ما يعني ضرورة أن تكون هذه الدبلوماسية عقلانية، وتأخذ بنظر الاعتبار المصالح والسيادة، لا أن تكون نوعا من الفرضيات الأمنية.
ما عاشته المنطقة منذ سنوات طويلة، يكشف عن الحاجة إلى فاعلية "العقل السياسي" في ضبط إيقاع العنف والكراهية والعدوان، لاسيما مع الكيان الصهيوني وعدوانه المتواصل على الأرض العربية، وفي إثارة الفتن، ودعم الجماعات الإرهابية، وفرض المركزية الأمنية كحلٍ فائق الخطورة، تدعمه الولايات المتحدة، وتجعل منه خطابا يقوم على التهديد والإكراه، وهو ما يرفضه عدد من الدول، لأنه يعني السماح للكيان الصهيوني بفرض سياسته العنصرية والعسكرية في المنطقة.
الذهاب إلى الدبلوماسية لا يعني الذهاب إلى الخديعة، وإلى المتاهة، بقدر ما يعني الذهاب إلى واقعية السياسة ومصالحها، وإلى وضع ملفات الأزمات على طاولة العقلاء وليس المجانين.