تراجيديا الجاسوسة الحمراء

الصفحة الاخيرة 2019/07/09
...

علي حمود الحسن
 ما ان شاهدت صورة جودي دينش على بوستر فيلم "جوان الحمراء" على موقع سينمانا الباذخ، حتى هرعت الى مشاهدته، فالممثلة الإنكليزية المخضرمة، الحائزة على أوسكار عن دورها في "شكسبير عاشقا" وصاحبة الخبرة الطويلة في التمثيل بالسينما والمسرح، فهي مثلث في أكثر من 45 فيلما، أبرزها:" آيرس" و" هاملت" و"شكولا" و" فيلومينيا".
وتميزت بأدائها العالي وخبرتها الطويلة، وفيلمها الجديد" جوان الحمراء" للمخرج المسرحي والسينمائي تريفور نان، يحكي  قصة جاسوسة بريطانية ارتبطت بالاستخبارات الروسية (كي جي بي) ، وسربت معلومات حساسة  تابعة لمركز استكشاف المعادن غير الحديدية في لندن ، ساعدت الروس في تصنيع قنبلتهم الذرية الأولى، ولم يكتشفها احد، إلا بعد أربعين عاما، إذ ألقي القبض عليها، وهي في الثمانين من عمرها، لا تعترف بما فعلت على الرغم من مواجهتها بتهمة التجسس لصالح روسيا وخيانة الوطن، وحينما تواجه وسائل الاعلام تقول بمنتهى الثقة والحزم : " فعلت كل ذلك من أجل السلام، فلو لم تمتلك روسيا القنبلة الذرية، ربما لم يكن العالم مثلما نراه" .
 هذا بالضبط ملخص قصة" جون الحمراء" المقتبس من رواية بذات الاسم للكاتبة جيني روني  استلهمت فيها  السيرة المثيرة للجاسوسة البريطانية ميليتا نوروود المعروفة بالجاسوسة الجدة، استهوت الحكاية المخرج المسرحي والموسيقي تريفور نان، فأخرجها على الرغم من كونه مقلا  في صناعة الأفلام، حيث قدم لنا سردا يستند على راو عليم وتقنية "الفلاش باك" استحوذت على النسبة الأعظم من زمن العرض، فليس غير بضع كلمات، تنبس بها جوان ستانلي(جودي دينش) الفيزيائية المتقاعدة، التي كانت تعمل سكرتيرة في مركز بحوث أنتج اول قنبلة ذرية بريطانية، وهي تواجه تهمة الخيانة العظمى، ثم تغمض عينيها باسى فنستذكر معها- من خلال عكس الزمن- أيام تلمذتها في جامعة كامبريدج قبيل الحرب العالمية الثانية وقصة تجنيدها في المخابرات الروسية بعد ان أوقع بها عميل روسي يهودي وسيم احبته بقوة واستسلمت لغوايته، هذه الحيلة التي يلجأ اليها المخرجون لأسباب جمالية ودرامية وسيكولوجية، اضفت نوعا من الملل، فضلا عن كسر إيقاع تماهي المشاهد مع الاحداث، فنحن ازاء زمنين؛ الأول آني تمثل في استجواب جوان المنهارة وهي متسربلة بالفضيحة، والتي ترد   باقتضاب على  أسئلة المحققين في زمن لا يتعدى الدقيقتين، والثاني زمن معكوس يستحوذ على مساحة العرض الفيلمي، فكل انتقاله يستغرق من 5 الى 10 دقائق وفيه نرى جوان الشابة، جسدتها الممثلة الإنكليزية صوفي كوكسون باقتدار؛ فهي الطالبة الجادة والغريرة واحيانا المغفلة والعاشقة الولهانة، ثم الحزبية المندفعة والعميلة المتفانية، نافستها الممثلة التشيكية تيرزا صربوفا بدور سونيا العميلة الكتوم، التي تنسج خيوط شبكة العنكبوت للإيقاع بجوان زميلتها في سكن الطالبات، اذ مهدت للقاء جوان بالعميل الشيوعي ليو (تيد هيوز) بها، لنكتشف في النهاية انها زوجته وام طفله، وهي من وشت بزوجها ليو لينتهي مشنوقا في غرفته بضواحي لندن.
أحدث المخرج تغيرات وإضافات في بنية نص الرواية، الذي اختلط فيه الواقع والخيال، فجوان في الفيلم تدعي انها مضللة من خلال انتمائها للحزب الشيوعي، في حين كانت مليلتيا ماركسية متعصبة، وبررت جوان الحمراء ما فعلته بكونه نضالا من اجل السلام، فيما فعلت ذلك مليتيا بوعي، في الفيلم ينضم ابنها نيك (بين مايلز) المحامي الذي يرفض مساعدتها لكنه يسندها ويقف الى جانبها في اللحظة، اما في الواقع فقد أصدرت الحكومة البريطانية عفوا عنها لشيخوختها، وأطلقوا عليها اسم “الجاسوسة الجدة".