علامة الصيحة والنداء السماوي في ليلة القدر

منصة 2025/03/23
...

 نجم الشيخ داغر


لقد ركزت روايات علامات الظهور الشريف للإمام المهدي عجل الله فرجه، من بين العلامات الحتمية على واحدة مهمة، وعدتها أهمها على الإطلاق، هي تلك التي تتحدث عن الصيحة والنداء في شهر رمضان المبارك وتحديداً في ليلة الثالث والعشرين منه (ليلة القدر)، حتى أن الإمام الباقر (عليه السلام) حذرنا من الشك فيها، ربما لكونها واضحة لا لبس فيها ولا مجال لعدم استيعابها، وسبحان الله مع ذلك كله سيشك البعض ممن سيطر الهوى وبغض الحق على عقولهم، كما 

سنوضحه تباعاً.

وتكاد تكون كتب الفريقين المختصة بعلامات الظهور متفقة على ورود هذه العلامة الكونية، فقد جاء في عقد الدرر : عن أبي عبدالله الحسين بن علي (ع) أنه قال : ".... و ينادي من السماء منادٍ، باسم المهدي، فيسمع من بالمشرق والمغرب، حتى لا يبقى راقد إلا استيقظ، و لا قائم إلا قعد و لا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً، فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول صوت جبرائيل الروح الأمين (ع)" ./ عقد الدرر : حديث 148 الباب 

الرابع .

ونقل السيوطي- الدر المنثور - الجزء: ( 6 ) ص -59- وأخرج ابن أبي شيبة عن عاصم بن عمرو البجيلي، قال "لينادين باسم رجل من السماء لا ينكره الذليل ولا يمتنع منه الدليل".

والحقيقة أن هناك الكثير من اللبس وعدم الوضوح في فهم هذه العلامة لدى البعض، ربما لأنهم فتحوا باب التأويل واسقطوا فهمهم الخاص على النص، بدلاً من أن يتركوا النص وعباراته تقودهم للمعنى المراد، لذا شرقوا وغربوا في تأويلها، فمنهم من ادعى أنها عبارة عن صوت يظهر في التلفزيون، بمعنى أنها خبر جلل يفزع العالم، وتناسوا أن الرواية تقول إن الصوت أو المنادي هو جبرائيل(عليه السلام). 


منطوق الروايات

في البحار عن النعماني بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)، قال: "لا يخرج القائم (عليه السلام) حتى ينادى باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين ليلة جمعة، قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه ألا إن فلاناً ابن فلان قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاسمعوا له وأطيعوه فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها ويخرج القائم مما يسمع وهي صيحة جبرائيل. " وفي النعماني عن أبي جعفر (ع) أنه قال: "...الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت، فأجاب، فإن الصوت صوت جبرائيل الروح الأمين، وقال (ع): الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين، ينادي ألا إن فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس، ويفتنهم.


التحليل 

نقول إن الروايات واضحات الدلالة على أن الصيحة والنداء حدث سماوي معجز، أي إنهما آية من السماء وليسا خبراً تلفزيونياً، بدلالة العديد من الأمور.

الأول : إن المنادي هو جبرائيل (ع) والصوت هو صوته كما أكدت الأخبار لأكثر من مرة وبإلحاح .

 الثاني: إن الروايات وكأنها جاءت للتنبيه لعلمها بحجم التأويل الذي سيكون في عصرنا، لذا ذكرت نكتة مهمة جداً يثبت معها إعجاز هذا النداء وهي عبارة "فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة"، أي إن كل مخلوقات الله بما فيها الإنس والجن والبهائم، وكل مخلوق فيه روح سيسمع هذه الصيحة في الوقت نفسه وباللغة التي يفهمها، وهذا ما يتعذر على التلفزيون أو غيره ايصاله، فلربما هناك من ليس لديه هذا الجهاز في أفريقيا وآسيا أو في الصحارى والاسكيمو وغيرها، مع أننا لا نحتاج لهذا الشرح لكون كلمة الروح واضحة الدلالة على شمولية هذا النداء وحجته الكبرى والبالغة على 

العالم.

الثالث: إن الحدث جلل، وغريب ومفزع، ولا يوجد خبر أو تقرير له هذا القدر من التأثير في الناس، بحيث يقوم القاعد ويجلس القائم ويفزع اليقظان ويستيقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، إنها أشبه بهزة عميقة للنفس الإنسانية وحدث لم يمر بها مطلقاً.

الرابع: من دلالة الخروج إلى صحن الدار، يتبين أنه حدث سماوي لذلك تخرج الناس مفزوعة تنظر نحو السماء؛ لأن الصوت يصدر 

منها.

كل هذا يفيد بأنها علامة سماوية ولا تمت بصلة إلى أي تقنية أرضية، لذا عدها الإمام العلامة تعصم من الشك للذي يريد الحق ويبحث عنه.

بعد أن فرغنا من إثبات إعجازية صيحة جبرائيل إلى الخلق، وندائه باسم القائم (عج) واسم أبيه، وأنها ليست خبراً تلفزيونياً، كما يحلو للبعض تأويله، لاعتقادهم أن زمن المعجزات انتهى وولى، نعرج على مسألة مهمة أيضاً تتعلق بالصيحة والنداء، وهل هما واحد أو لا بد من التفريق بينهما، وكذلك تبيان نداء ابليس الملعون الذي يحاول به التشويش على النداء 

الجبريلي.


معنى الصيحة 

في المعجم الوسيط (الصِّياحُ) : الصوتُ : صوتُ كل شيء إِذا اشتدّ .

صاحَ يَصِيحُ صَيْحة وصِياحاً وصُياحاً، بالضم، وصَيْحاً وصَيَحاناً، بالتحريك، وصَيَّحَ : صَوَّتَ بأَقصى طاقته.

إذن كل صوت شديد أو مرتفع إلى أقصى طاقته هو صيحة، بغض النظر إن كانت مفهومة أو غير

مفهومة.

أما النداء فهو : بيان، دعوة، إعلان، وأيضاً (النداء) صوت المنادي المرتفع.


صيحة إبليس

بقي علينا أن نوضح ما المراد من صيحة إبليس، أو هل لنا معرفة كيفيتها وهل هي أيضاً نوع من الخوارق؟، أو هل من الممكن أن يلجأ إلى استعمال وسائل علمية متطورة؟.

نقول إن هذا ورد في حديث عن الإمام الصادق (ع) في مقطع من رواية طويلة، (فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهوى، حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في "فلان ابن فلان"..) وفي رواية 

يسميه.

والسؤال هل يستطيع ابليس فعل هذا؟، نقول نعم، أولا لأن الرواية ذكرت ذلك، وثانياً لأنه من المعلوم أن ابليس من جنس يمتلك الكثير من القابليات الخافية علينا مثل الطيران والتشكل وغيرها من أمور، وقد يكون إحداث مثل هذا الصوت أحدها، مع أنني أشك في أن لديه إمكانية منافسة الصيحة الجبرائيلية إلا بمساعدة تقنية علمية عملاقة، ولأن الرواية لم تذكر كيفية صيحة الملعون، لذلك نجد أن هناك فسحة للقول أنه ربما يلجأ إلى استخدام العلم الحديث لتضخيم صوته ومده على مختلف بقاع المعمورة، لا سيما أن العالم توصل الآن إلى تقنية تمكن من ذلك، بل ربما سيفعلها صوتاً وصورة عبر استخدام الشعاع الأزرق أو ما يعبر عنه 

بـ (الهولوغرام).

فإن هذه التقنية ومن خلال جهاز صغير يمكن لها عكس أي صورة في الهواء أو الأرض، وقد طبقتها قناة الـ CNN الأميركية في العام 2010 ثم تخلت عنها لأسباب غير معروفة حينما أظهرت صورة مراسلها ثلاثية الأبعاد داخل الاستوديو، أي إن هذه التقنية وبمساعدة جهاز هارب المتحكم بالمناخ أو أي جهاز آخر مضخم للصوت، يمكن أن يستخدمه ابليس لإحداث الصوت الثاني الذي يشكك فيه الناس، ولعل الأصوات العالية التي كأنها أبواق أو الهمهمات السماوية كما سميت والتي بثت من أكثر قنوات العالم حينما حدثت قبل فترة في أكثر من مدينة عالمية، هي أولى التجارب الهادفة لإحداث صيحة ابليس، لا سيما أن أي من العلماء لم يجد تفسيراً علمياً لها، فأطلقوا عليها همهمات 

السماء. وفي الجملة مهما يكون الصوت الثاني فهو سيؤكد صحة الرواية التي تحدثت عن صوتين، لذلك عندها يزداد الذين آمنوا بها ثباتاً ويقيناً، أما غير المؤمنين فستصيبهم الحيرة ولا يدرون أياً منها الحق، أو قد يعتبرون أن كليهما من السحر فيحرمون أنفسهم من بشارة 

السماء.