حمزة مصطفى
العراق من البلدان المحكمة من حيث الخريطة. أقصد بالخريطة هنا الخريطة السكانية وخريطة الموارد البشرية والمالية فضلا عن مجموعة خرائط أخرى تتعلق بالتنوع في الطبيعة “جبلية في الشمال، صحراوية رسوبية في مناطق الوسط والجنوب”. يضاف إلى ذلك خرائط أخرى متكاملة هي الأخرى تتعلق بتوزيع الموارد والثروات مثل النفط، الغاز، المعادن وهي كثيرة ومتنوعة ولا تزال معظمها مخبوءة تحت الأرض قد تكون أحد أهم ما يمكن أن نخلفه نحن أبناء هذا الجيل للأجيال القادمة. حتى توزيع المدن الكبرى أيضا يقوم على أساس دقيق، من حيث التنوع السكاني في هذه المدن وبالذات المدن الكبرى الثلاث، التي كانت على العهد العثماني ولايات وهي “الموصل. بغداد. البصرة”.
ويستمر التوزيع الجغرافي للخرائط حتى على مستوى السكان بل والعشائر بين السكان. فإذا كانت الجغرافيا اقتضت أن يكون الكرد في المناطق الجبلية الشمالية من البلاد والتي تحمل التسمية التاريخية ـ الجغرافية معا وهي كردستان التي هي خريطة ممتدة حتى خارج العراق (إيران، تركيا، سوريا)، فإن معظم سكان المناطق الغربية من العراق ينتمون مذهبيا إلى (المكون السني)، فإن غالبية سكان المناطق الوسطى والجنوبية هم من “المكون الشيعي”. لكن هناك توزيعا آخر للخريطة السكانية، لكن ليس على أساس التوزيع المذهبي بناء على الأغلبية السكانية هنا أو هناك بل على أساس عشائري. عشائرالعراق متداخلة مذهبيا تماما إلى الحد، الذي تجد فيه أن الشيخ العام لعشيرة تمثل أغلبية في المنطقة الغربية هو من المحافظات الوسطى والجنوبية، والعكس صحيح. لماذا؟ لأن التوزيع المذهبي للسكان لا صلة له بثقل العشيرة هنا أو هناك، الذي ربما حكمته مجموعة عوامل منها مثلا الهجرات السكانية التي جعلت القبائل تنتقل من منطقة إلى أخرى طبقا للموارد وهذه بالطبع من المسائل التي من شأنها زيادة حدة التلاحم لأنه لايوجد مانع من أن تنتقل هذه القبيلة أو تلك إلى هذه المنطقة أو تلك.
وفي الوقت الذي وجدت أنهار العراق الكبرى ، نهرا دجلة والفرات منذ فجر التاريخ فإن موردا طارئا وزائرا طارئا مهما مكث في الأرض مثل النفط ظهر قبل أقل من 100 عام في العراق. من هنا لا بد من التأكيد أن أي ربط بين معادلتي النفط والماء يبقى ربطا خاطئا، وينم عن رؤى إنفعالية متسرعة لأن معادلة النفط والماء لا تستقيم لبلد يتداخل فيه ماهو تاريخي بما هو جغرافي. التاريخ حكم على العراقيين بالوحدة الأبدية لاسيما الجزء العربي منه بل حتى الجغرافيا، التي تشذ أحيانا هي الأخرى متكاملة على صعيد العراق الواحد بعيدا عن المتغير السكاني وما يتلوه من ثروات دائمة مثل الماء أو زائلة مثل النفط.