ثورة الإعمار تخفِّض معدلات البطالة في نينوى

الموصل : شروق ماهر
أم الربيعين.. مدينة عانت طويلا تحت وطأة الدمار، لكنها اليوم تتنفس من جديد. بين أنقاض المباني المدمرة وشوارع كانت يوماً ساحات حرب، تلوح في الأفق معالم نهضة جديدة.
أما في زوايا الأسواق التي عادت تزخر بالحركة، وفي ورش العمل التي تدوي فيها أصوات المطارق والآلات، فتظهر قصص نجاح صغيرة لكنها عميقة الأثر. شباب كانوا عاطلين عن العمل أصبحوا اليوم جزءاً من عملية البناء، وأسرٌ كانت تكافح من أجل لقمة العيش بدأت تجد فرصاً جديدة للاستقرار.
السيدة زاهدة الزيباري وهي، إحدى المواطنات في مدينة الموصل، تحدثت عن تأثير الأوضاع الاقتصادية في القدرة الشرائية في المدينة، قائلة: "الأوضاع الاقتصادية بدأت تشهد تحسنا تدريجيًا، حيث أصبح هناك نشاطٌ أكبر في الأسواق، رغم استمرار ارتفاع الأسعار في بعض السلع الأساسية". وأضافت لـ"الصباح" أن العائلات تعمل على التكيف مع الظروف الاقتصادية لضمان تأمين احتياجاتها الأساسية.
من جانبه، أكد محمد سعيد لـ"الصباح" أن الأسواق المحلية تشهد استقرارا في الأسعار، خاصة بالنسبة للمواد الغذائية واللحوم، ما يسهم في تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين. كما أوضح أن المحال التجارية تشهد حركة بيع جيدة، خصوصًا مع اقتراب المناسبات، حيث يزداد الطلب على السلع اليومية والكمالية على حد سواء.
أما نوروز محمد، فقد أشارت إلى أن القدرة الشرائية في الموصل تمر بحالة من الاستقرار مع تحسن تدريجي في بعض القطاعات، حيث تنشط الأسواق، خصوصا مع اقتراب المناسبات والعطل الرسمية، ما يعكس قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم وفق إمكانياتهم المتاحة.
تلعب مديرية الرعاية الاجتماعية في نينوى دورا بارزا في تخفيض مستوى الفقر في المحافظة، حيث أسهمت برامجها المختلفة في تقليل نسبة الفقر، وفقا لمدير الرعاية الاجتماعية في نينوى، محمد كمال، مؤكدا في تصريح لـ(الصباح) أن المحافظة مستمرة في تقديم الدعم الاجتماعي للأسر المحتاجة عبر برامج الحماية الاجتماعية، التي تشمل توزيع رواتب ومساعدات مالية للأفراد والأسر المتضررة من الأزمات الاقتصادية والإنسانية.
وأشار كمال إلى أن قسم الحماية الاجتماعية يعمل بشكل مكثف على توفير الإحصائيات الدقيقة حول أعداد المستفيدين من هذه البرامج في مختلف مناطق نينوى، بما في ذلك مدينة الموصل، وسهل نينوى. وأضاف أن عدد الأسر المستفيدة من رواتب الحماية الاجتماعية في مدينة الموصل وحدها بلغ 92 ألف أسرة منذ عام 2017 وحتى آخر دفعة تم صرفها.
وأكد أن هذه الجهود تأتي في إطار استراتيجية الحكومة لدعم الفئات الهشة وتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقرارا، حيث أسهمت برامج الحماية الاجتماعية في تحسين مستوى المعيشة لكثير من العائلات، مما انعكس إيجابا على معدلات الفقر والبطالة في المحافظة. وأوضح كمال أن المديرية مستمرة في توسيع نطاق برامج الدعم الاجتماعي لضمان وصول المساعدات إلى أكبر عدد ممكن من المستحقين، بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في نينوى.
بدوره، أكد منذر ذياب، مدير الرعاية الاجتماعية في سهل نينوى، أن العدد الإجمالي للأسر المستفيدة من الإعانات الاجتماعية في المنطقة يتراوح بين 50 ألف إلى 55 ألف أسرة، مشيرا في تصريح مقتضب لـ"الصباح" إلى أن هناك مجموعات أخرى مسجلة بانتظار التخصيصات المالية لتوزيع المساعدات عليها.
من جانبه، أوضح بارق إلياس، مدير الرعاية الاجتماعية في غرب نينوى لـ"الصباح"، أن عدد المستفيدات من النساء في المنطقة بلغ 15 ألفًا و172 مستفيدة، يشمل ذلك الأرامل والمطلقات اللاتي يتقاضين رواتب الحماية الاجتماعية، مما يوفر لهن دعماً اقتصادياً ضرورياً لتحسين مستوى المعيشة.
أما فيما يخص الرجال، فقد صرح مهدي حازم الداؤوي، مسؤول قسم الرجال في غرب نينوى، بأن هناك 38 ألف مستفيد من رواتب الحماية الاجتماعية، موزعين بين عدة فئات تشمل العاجزين، والمعاقين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والأيتام الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، إضافة إلى الأسر ذات الدخل المحدود التي تعيش تحت خط الفقر.
المسح الاقتصادي والاجتماعي الشامل لعام 2024 كشف عن تحسن ملحوظ في العديد من المؤشرات التنموية، وفقا لمدير إحصاء نينوى نوفل سليمان، الذي أشار إلى أن هذا المسح، الذي استمر لمدة عام كامل، ساعد في استخراج بيانات دقيقة حول التنمية في المحافظة. وفي حديثه لـ"الصباح"، أوضح سليمان أن من أبرز النتائج التي توصل إليها المسح هو انخفاض معدل الفقر بشكل كبير، حيث تراجعت النسبة من 38 بالمئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2019 إلى 16 بالمئة في عام 2024، ما يعني أن نحو نصف سكان المحافظة تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر.
وبين أن هذا التحسن الاقتصادي يعود إلى عدة عوامل، منها تطوير الخدمات العامة وتحسين البنية التحتية، إضافة إلى جهود الحكومة المحلية في توفير فرص عمل جديدة، خاصة من خلال تعيين المحاضرين والموظفين في قطاعات مختلفة، مثل الأمن الغذائي ووزارة الداخلية. وأكد سليمان أن التحسن الاقتصادي كان له أثرٌ مباشر على مستوى الرضا العام في المحافظة، حيث أظهرت البيانات أن 87 بالمئة من السكان راضون عن توفر الغذاء، مما يعكس فعالية الحصة التموينية في تلبية احتياجات المواطنين. كما عبّر 81 بالمئة عن رضاهم عن أوضاع السكن، نتيجة تحسن الظروف السكنية وعودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية. أما مستوى الدخل، فقد أبدى 80 بالمئة رضاهم عنه، في حين وصلت نسبة الرضا عن الخدمات الصحية إلى 82 بالمئة . وأشار مدير إحصاء نينوى أيضا إلى أن الوضع الأمني شهد تحسنًا كبيرًا، حيث يشعر 93 بالمئة من السكان بالأمان، مما يعكس استقرار الأوضاع الأمنية في نينوى.
ورغم التحسن في مختلف القطاعات، أقر سليمان بأن التعليم ما زال يواجه بعض التحديات، حيث بلغت نسبة الرضا عنه 72 بالمئة، وهي نسبة أقل مقارنة بباقي القطاعات. وأوضح أن هذا التراجع يعود إلى النقص في عدد المدارس، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال السنوات الماضية، لكنه أكد أن هناك جهودًا مستمرة لتعزيز هذا القطاع وتحسين جودة التعليم في المحافظة.
وفيما يتعلق بالتوجهات المستقبلية، أكد سليمان أن العمل مستمر على تطوير البنية التحتية، وزيادة فرص العمل من خلال تشجيع الاستثمار ودعم القطاع الخاص، إضافة إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. كما شدد على أهمية تعزيز الأمن الغذائي عبر تطوير نظام الحصة التموينية، لضمان استمرار التحسن في مستويات المعيشة. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل المحافظة، مؤكدًا أن نينوى تسير في اتجاه إيجابي، مع توقعات بمزيد من التحسن في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
من جانبه، أكد محافظ نينوى، عبد القادر الدخيل، في تصريح لـ(الصباح)، أن انخفاض مستوى الفقر في المحافظة يعود إلى عدة عوامل رئيسة، أبرزها إنجاز ما يقارب 23 ألف معاملة تعويضية، تم توزيعها بين المتضررين من الحرب ضد داعش، حيث شملت هذه التعويضات مختلف المجالات، مثل السيارات والممتلكات والأثاث والمصوغات، وبلغت قيمتها نحو 150 مليار دينار.
وأوضح الدخيل أن هذه التعويضات أسهمت بشكل مباشر في تحسين المستوى المعيشي للأسر المتضررة، حيث وفرت دعماً مالياً ساعد في استعادة الاستقرار الاقتصادي للكثير من المواطنين. كما أكد أن هذه جهود الاعمار انعكست هي الأخرى بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي، إذ اسهمت في تحفيز الحركة الاقتصادية ودفع عجلة التنمية في المحافظة.
وأضاف أن محافظة نينوى شهدت حملة إعمار واسعة عقب تحرير الموصل، شملت إعادة بناء المدارس والمستشفيات والطرق، فضلاً عن إعادة تأهيل المنازل المتضررة. وأسهمت هذه المشاريع بشكل كبير في توفير فرص عمل للمواطنين وتعزيز مستوى الرخاء في المناطق، التي تضررت بفعل الحرب، ما أدى إلى تقليص معدلات الفقر بشكل ملموس.
وأكد الدخيل أن ملف التوظيف كان أحد العوامل المهمة في دعم الاقتصاد المحلي، إذ شهدت المحافظة تعيين نحو 18 ألف موظف وتوفير 50 ألف فرصة عمل عبر عقود ديوان محافظة نينوى، مما ساعد في تقليل نسب البطالة وزيادة مصادر الدخل للأسر، وبالتالي تحسين الظروف الاقتصادية بشكل عام.
وأشار المحافظ إلى أن تحسن الأوضاع في نينوى لم يقتصر فقط على التعويضات والتوظيف، بل شمل أيضا تطوير الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة، إضافة إلى تحسين البنية التحتية في العديد من المناطق المتضررة، الأمر الذي انعكس إيجابيا على الحياة اليومية للمواطنين.
ورغم هذه الإنجازات، أشار إلى استمرار الحاجة إلى المزيد من مشاريع الإعمار، خاصة في المناطق النائية، وتوفير فرص عمل إضافية للشباب لضمان استدامة التنمية وتحقيق تعافٍ اقتصادي شامل، مؤكدا أن ديوان محافظة نينوى يواصل جهوده لاستكمال مشاريع الإعمار، وتوفير المزيد من فرص العمل، إلى جانب تحسين الخدمات العامة وزيادة الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بهدف تعزيز الاقتصاد المحلي وضمان تحقيق تنمية تضمن مستقبلاً أكثر ازدهارا للمحافظة وسكانها.