عدنان محسن عبيد
إن فريضة الصيام في شهر رمضان المبارك تتجاوز بعدها التعبدي المحض، لتشمل أبعادا تربوية واجتماعية واقتصادية وصحية عميقة، تجعل منه مدرسة متكاملة لتزكية النفس وتهذيب السلوك وتقوية الروابط المجتمعية.
الأبعاد التربوية:
1 ـ التربية على الصبر: يمثل الامتناع عن الطعام والشراب والشهوات تدريبًا عمليًا على الصبر وتحمل المشاق، وقوة الإرادة والتحكم في النفس. يتعلم الصائم كيف يؤجل إشباع رغباته الفورية امتثالًا لأمر الله، مما ينعكس إيجابًا على قدرته على مواجهة تحديات الحياة المختلفة.
2 ـ التحلي بآداب الصيام: ينهى الصيام عن اللغو والرفث والجهل والشتم والقتال، ويدعو إلى الصفح وكظم الغيظ. هذه الآداب تعمل على تهذيب سلوك الفرد وتزكية نفسه، وتجعله أكثر وعيًا بأقواله وأفعاله، وأكثر قدرة على ضبط
انفعالاته.
3 ـ سمو النفس عن الشهوات: يدرب الصيام المسلم على الترفع عن ملذات الحياة وشهواتها المباحة لفترة محددة، مما يقوي صلته بالله ويذكره بالغاية الأسمى من وجوده. هذا الامتناع يعزز الشعور بالزهد والتقشف، ويقلل من التعلق بالدنيا ومغرياتها.
4 ـ الإخلاص والقرب من الله: الصيام عبادة سرية لا يطلع عليها إلا الله، مما يعزز الإخلاص في النية والعمل. يسعى الصائم من خلال صيامه إلى التقرب من الله تعالى وطلب رضاه، وهذا الشعور بالقرب يمنحه السكينة
والطمأنينة.
5 ـ التقوى: يعتبر الصيام من أعظم الوسائل لتحقيق التقوى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. فالصيام يقي من الوقوع في المعاصي والآثام، ويحث على فعل الخيرات والالتزام
بأوامر الله.
الأبعاد الاجتماعيَّة:
أ ـ الإحساس بالفقراء والمستضعفين: عندما يمتنع الصائم عن الطعام والشراب، يستشعر جزءًا من معاناة المحتاجين والفقراء الذين يعانون من الجوع والعطش بشكل دائم. هذا الشعور يولد لديه الرغبة في مساعدتهم والتخفيف عنهم، ويعزز قيم التكافل والرحمة في
المجتمع.
ب ـ التراحم والتكافل: يشجع شهر رمضان على زيادة الإنفاق والصدقات وإكرام الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمعوزين. الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس في رمضان يعزز روح التكافل الاجتماعي ويقوي الروابط بين أفراد المجتمع.
ج ـ اجتماع الخير: يشهد شهر رمضان زيادة في أوجه البر والخير، من صلاة التراويح والقيام، وقراءة القرآن ومدارسته، والاعتكاف، وصلة الأرحام، والإصلاح بين الناس. هذه الأعمال الجماعية تقوي النسيج الاجتماعي وتعزز الوحدة والألفة بين المسلمين.
الأبعاد الاقتصادية:
1 ـ الانتظام في الاستهلاك: يؤدي الصيام إلى تنظيم وجبات الطعام وتقليل الإسراف في الأكل والشرب، مما يساهم في ترشيد الاستهلاك وتوفير المال.
2 ـ التخفيف من النفقات: بانخفاض عدد الوجبات، تنخفض النفقات المتعلقة بالطعام والشراب، مما يوفر جزءًا من ميزانية الأسرة.
3 ـ زيادة الإنتاج: قد يساهم التركيز والنشاط الروحي في شهر رمضان في زيادة الإنتاجية في العمل، حيث يكون الذهن أكثر صفاءً والنية خالصة لله.
الأبعاد الصحية:
أ ـ راحة الجهاز الهضمي: يمنح الصيام الجهاز الهضمي فترة راحة من العمل المستمر، مما يساعد على تجديد خلاياه وتحسين وظائفه.
ب ـ تنظيم الوجبات: الانتظام في تناول وجبتي الإفطار والسحور في أوقات محددة يساهم في تنظيم عملية الهضم والتمثيل الغذائي.
ج ـ الوقاية من الأمراض: يشير بعض الأطباء إلى أن الصيام المنتظم قد يساهم في الوقاية من بعض الأمراض المزمنة مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري.
ختامًا، فإن فريضة الصيام في شهر رمضان المبارك تحمل في طياتها كنوزًا من الأبعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، التي تسهم في بناء الفرد المسلم والمجتمع الصالح، وتعزز علاقته بخالقه عز وجل. إن اغتنام هذا الشهر الفضيل والعمل بتوجيهاته وآدابه هو سبيل المسلم إلى تحقيق التقوى والفوز برضا الله
تعالى