مرتضى صلاح البناء
يقول الناس إنهم ينتظرون شهر رمضان المبارك ضيفا عزيزا يطل عليهم كل عام، فيستعدون لاستقباله ويتجهزون له ويسعدون لمقدمه، وفي واقع آخر أن الملائكة هي ايضا تنتظر قدوم الشهر المعظم، كي تقوم بدورها باستقبال الصائمين في شهر الصيام والقرآن، بل إنها تفرش موائد الرحمن للصائمين وتدعوهم للجلوس إلى تلك المائدة
الكريمة.
فما أعظم النفس المؤمنة وقد استقبلتها الملائكة بإشارة ربانية لكل من استعد لتطهير القلب وأقبل على الله تعالى بروحية جديدة بعيدة عن الذنوب والمعاصي راجية عفو
ربها.
ولكي نكون مستعدين لهذه الضيافة ينبغي علينا أن نجهز أنفسنا ونكون بمستوى هذا الاستقبال الروحي العظيم، فنحن أمام بركات تلاوة القرآن وتدبر آياته، فما أشرفها من مائدة كريمة أعدها لنا الله تعالى وخصنا فيها ببركات الشهر الفضيل، الذي ميزه تبارك وتعالى على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن مفتاحا لهدى الناس وجعل فيه الصيام كنوع من الطاعات التي يتفرغ فيها الإنسان لتلقي البركات بآداب خاصة، منها الانقطاع لوقت معين عن الملذات والطعام والشراب ومتع أخرى، والتركيز
على الصلاة والدعاء وتلاوة كتابه العزيز، وهذه من مظاهر الحفاوة بهذه الليالي المباركة التي يهب الله فيها للإنسان كل تجاوزاته
السابقة.
ومن هنا سمي شهر رمضان شهر المغفرة والعتق، وطلب من الإنسان أن يبذل ما تجود به نفسه من الصدقات والإحسان، ففي هذا الشهر تتضاعف الحسنات، وينشغل المؤمن عن السيئات، ويرجو في لياليه النفيسة إجابة الدعوات ورفع الدرجات، لا بل إن الله تعالى يبشر فيه بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران وحجر
الشيطان.
فهذا يعد موسما للرياضة الروحية، لكون النفس تسمو عندما تتذوق طعم الصبر في فريضة الصيام، حيث تظهر عليها آثار التزكية والنقاء، وبالتالي تتأهل لطاعة الخالق والبذل في
سبيله.
ومن ثمرات هذا الصبر ايضا أنه ينمي طاقة الشعور بالآخرين المحتاجين وسط ظروف الحياة الشاقة المحيطة بهم، فيتذكر المسلم أحوال الفقراء والمحتاجين، عندما يمسه الجوع والضنك، فيدفعه إلى شعور بالحاجة لمساعدة أولئك
المحتاجين.
وغني عن القول أن تلك الآثار، مهما كثرت وتعددت، فإنها تمثل أصلا واحدا من آثار الصوم، هي التقوى التي تشيع انوارها في النفس بعد ذلك التمرين المستمر من الصبر الجميل، فإذا تحقق له هذا الأصل، تحققت له جميع الآثار المتفرعة عنه، لذا على المسلم الصائم أن يختبر نفسه وهو يؤدي هذه الفريضة العظيمة، هل اكتسب من صيامه تقوى ربه، وحافظ على طاعته بفعل ما أمره به، وترك ما نهاه عنه؟، فإن وجد نفسه كذلك، فليحمد ربه، وليستمر في سيره جادا في طلب
رضاه.
وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكرنا انه (إذا جاء رمضان فتحت أبواب السماء)، وهي إشارة منه إلى استجابة دعاء المؤمنين، وهكذا تتعدد أسباب المغفرة وتتنوع في هذا الشهر الكريم، وكأنها دعوة للعبد أن يقدم على شهر الله بالعمل الصالح ويغير من منهاجه وسلوكه المتعرج طيلة شهور سنة كاملة، فجعل الباري تعالى هذا الشهر فرصة ربما لا تتكرر مع تقدم
العمر.