محمد علي الحيدري
أثار قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوقف تمويل عدد من المؤسسات الإعلامية، التي تُعرف بترويجها لقيم الديمقراطية، من بينها صوت أمريكا (VOA)، وإذاعة أوروبا الحرة (RFE/RL)، وشبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) ، التي تُشرف على قناة الحرة، جدلاً واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد اعتبر مؤيدو القرار أنه خطوة ضرورية لإعادة توجيه الأموال الفيدرالية نحو أولويات داخلية، بينما رآه منتقدون مؤشرًا على توجه متزايد نحو إحكام السيطرة على الإعلام المستقل.
ووفقًا لتقارير إعلامية، بررت إدارة ترامب هذا الإجراء، بكونه يأتي ضمن مراجعة شاملة لبرامج الحكومة الفيدرالية، معتبرة أن بعض المؤسسات الإعلامية، التي تمولها الدولة لم تعد تعكس السياسات والمصالح الأمريكية بالشكل المطلوب، وأن تمويلها يُشكّل عبئًا ماليًا لا جدوى منه. وأشارت مصادر قريبة من الإدارة إلى أن “وسائل الإعلام الممولة حكوميًا يجب أن تكون أداة لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية بفعالية، لا منبرًا لوجهات نظر قد لا تتماشى مع التوجه الرسمي”.
في المقابل، عبّر عدد من المؤسسات الإعلامية والحقوقية عن مخاوفهم من تأثير هذه الخطوة على حرية الصحافة، إذ اعتبرت جمعية مراسلي البيت الأبيض أن الإجراءات الأخيرة تشكل “تحديًا غير مسبوق لاستقلالية التغطية الإعلامية في البلاد”، محذرة من أن “السماح للسلطة التنفيذية بالتحكم في المؤسسات الإعلامية الممولة حكوميًا قد يؤدي إلى تقييد محتمل للحريات الصحفية”.
وفي سياق متصل، قررت الإدارة تولي اختيار الصحفيين، الذين يُسمح لهم بتغطية أنشطة الرئيس، بدلاً من النظام التقليدي الذي كانت تُشرف عليه جمعية مراسلي البيت الأبيض. هذا التحول أثار تحفظات عدد من العاملين في الحقل الإعلامي، حيث رأت صحيفة واشنطن بوست أن القرار “قد يمهد لبيئة إعلامية خالية من النقد، ويقلل من فرص المساءلة الفعلية للسلطة التنفيذية”. من جهتها، علّقت إدارة ترامب بأن “الهدف من الخطوة هو تحسين التنسيق الإعلامي وتقديم معلومات دقيقة للجمهور من خلال صحفيين مهنيين”.
في المقابل، أيد بعض المراقبين القرار، معتبرين أنه يعيد التوازن في العلاقة بين الحكومة والإعلام. وقال المحلل السياسي جيمس بارنز إن “الإدارة الأمريكية لها الحق في تنظيم أدواتها الإعلامية بما يتماشى مع أهدافها، خاصة إذا كان هناك اعتقاد بأن بعض وسائل الإعلام تحولت إلى أدوات انتقاد دائم لا تسهم في نقل الصورة الكاملة للإنجازات والسياسات”.
خارج الولايات المتحدة، لقيت قرارات إدارة ترامب صدى لدى بعض الحكومات. فقد أفاد تقرير لشبكة CNN بأن الإعلام الرسمي في الصين “رحب بتقليص تمويل وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة”، معتبراً أن ذلك “يعكس بداية انحسار تأثير الإعلام الأمريكي في مناطق حساسة من العالم”. ويرى بعض المراقبين أن هذه الخطوة قد تفتح المجال أمام قوى إعلامية دولية أخرى لتعزيز حضورها في الفضاء الخارجي.
في ضوء هذه التطورات، تعكف مؤسسات إعلامية أمريكية على دراسة إمكانية الطعن القانوني بالقرارات، استنادًا إلى التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي يحظر أي تدخل حكومي في حرية التعبير أو الصحافة. ويُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة نقاشًا محتدمًا بين أوساط سياسية وقانونية حول حدود سلطة الحكومة في إدارة وتمويل الإعلام الرسمي، وتأثير ذلك على صورة الولايات المتحدة كمدافع تقليدي عن حرية التعبير.
يبقى الجدل قائمًا بين من يرون في هذه القرارات ضرورة لتحديث الخطاب الإعلامي الأمريكي وتقليل الاعتماد على التمويل الحكومي، وبين من يعتبرونها تهديدًا لمبدأ الفصل بين السلطات ودور الإعلام كمراقب مستقل. وبين الرأيين، يترقب الشارع الأمريكي والمجتمع الدولي ما ستؤول إليه هذه المواجهة بين السلطة التنفيذية والإعلام، وما إذا كانت ستترك تأثيرًا دائمًا على بنية المشهد الإعلامي الأمريكي.