شهر رمضان معركة ضد النفس أم الشيطان ؟

منصة 2025/03/25
...

  نجم الشيخ داغر

ومن بديهيات القول إن الشيطان الرجيم أعاذنا الله وأياكم من شره يعد مصدرا رئيسا للشرور في هذا العالم، ولكن هل هو المصدر الوحيد، أم أن هناك ما هو أخطر منه ؟.

قسمت الشريعة المقدسة الأعداء الأساسيين للإنسان إلى اثنين، أولهما الشيطان الغوي الرجيم بقوله تعإلى ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[ فاطر: 6]، والثاني بينه الرسول الذي لا ينطق عن الهوى بقوله صلى الله عليه وآله (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)، وكذلك قوله تعإلى ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[ يوسف: 53].

ولعل وصف النبي الكريم بأن النفس هي اعدى الأعداء، لكونها تمثل ذات الإنسان، ولا يمكنه الانسلاخ عنها إلا بمواصلة تزكيتها وتربيتها وترويضها بالمكارم، وهو ما عبر عنه صلى الله عليه وآله بالجهاد الأكبر .

ومن خلال القرآن الكريم يتضح لمن يتدبره مسألة مهمة جدا، تتعلق ببيانه لهذين العدوين في القصص الأولى التي وصفها بانها عبرة ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[ يوسف: 111] .

القصة الأولى يسلط فيها الضوء على العدو الأول (الشيطان) وكيف تمكن من خداع ابانا آدم عليه السلام من خلال قسمه بالله زورا ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾[ سورة الأعراف: 21]، ليخرج آدم وزوجه من الجنة ويعلن عداوته وحربه الأبدية معهما وذريتهما إلى يوم حتفه يوم الوقت المعلوم، لذلك حذرنا الله من مكائده ووساوسه وعدم اتباع خطواته.

ولكي يقيم الله الحجة على مخلوقه الانسان بارشاده إلى أعدائه والتحذير منهم، قص علينا ملحمة ابني آدم وكيف غدر احدهما بأخيه مدفوعا بأمراض الحسد والغيرة النابعين من نفس ملوثة بالسوء ومنقادة للهوى، ليبين لنا عدونا الآخر بأجلى عبارة ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[ المائدة: 30] .

في حادثة ابني آدم أحال الله التهمة إلى النفس، بينما في قصة آدم أرجعها إلى الشيطان بقوله تعإلى ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾  الاعراف(22) ، وهذه نكتة مهمة يجب الالتفات لها، ومع الأسف كما نرى اليوم فإنها غائبة عن ذهن أكثر الناس، لأنهم غالبا ما يبررون افعالهم الدنيئة بأنها من فعل الشيطان ووساوسه ويتناسون في الوقت نفسه النفس الامارة التي هي عدوهم الأكبر الكامن بين طياتهم .

ولأن المعركة خطيرة وشديدة على الانسان، اسعفنا الله بشهر رمضان، شهر الرحمة والخير والمغفرة، وقرر تقييد احد العدوين (الشيطان) كما في قوله صلى الله عليه وآله "قد وكل الله بكل شيطان مريد سبعة من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا"، كي نتفرغ على مدى شهر كامل لترويض انفسنا، ذلك الجاسوس الكامن والرابض في طياتنا، ذلك الذي يفتح أبوابنا على مصراعيها ليداهمنا الشيطان منها كما يحلو له .

اذن هي دعوة من الله تبارك وتعالى للاستعانة بكتابه الكريم وعبادته والاذكار المبثوثة على طول أيام شهرنا الفضيل ولياليه، للتخلص من ربقة الشهوات والتحرر من هذين العدوين.

وخير ما نختم به الكلام قول أمير المؤمنين (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب... قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقمت فقلت: يا رسول الله! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل .